في السنة الثانية ــ ولا يعارضها قوله تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}[المائدة: ٣]؛ وقد نزلت في يوم عرفة في حجة الوداع؛ لأن المراد في آية المائدة:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} الإتمام العام في كل الشريعة؛ أما هنا:{ولأتم نعمتي عليكم}[البقرة: ١٥٠]: في هذه الشريعة الخاصة ــ وهي استقبال الكعبة بدلاً عن بيت المقدس؛ لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقلب وجهه في السماء ينتظر متى يؤمر بالتوجه إلى الكعبة؛ فلا شك أنه من نعمة الله عزّ وجلّ أن أنعم على المسلمين بأن يتجهوا إلى هذا البيت الذي هو أول بيت وضع للناس، والذي ــ كما قال بعض أهل العلم ــ هو قبلة جميع الأنبياء، كما ذكره شيخ الإسلام ــ رحمه الله ــ ويحتمل وجهاً آخر في الجمع بين الآيتين: بأن هذه الآية جاءت بصيغة المضارع الدال على الاستمرار؛ وآية المائدة بصيغة الماضي الدال على الانتهاء.
وأضاف الله سبحانه وتعالى النعمة إليه؛ لأنه عزّ وجلّ صاحبها: هو الذي يسديها، ويولِيها على عباده؛ ولولا نعم الله العظيمة ما بقي الناس طرفة عين؛ وانظر إلى قوله تعالى:{إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم}[الفاتحة]؛ في النعمة قال:{أنعمت عليهم}؛ لأن النعمة من الله وحده، كما قال تعالى:{وما بكم من نعمة فمن الله}[النحل: ٥٣]؛ وأما الغضب على المخالف في دين الله فيكون من الله، ومن أولياء الله من الرسل، وأتباعهم.
وقوله تعالى:{ولعلكم تهتدون}؛ «لعل» هنا للتعليل؛ أي: تكتسبون علماً، وعملاً؛ وهذه هي العلة الثالثة؛ العلة الأولى: