وهذه الآية نزلت توطئة لتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ فبين الله عز وجل أنه ليس البر أن يتوجه ... الإنسان إلى هذا، أو هذا؛ ليس هذا هو الشأن؛ الشأن إنما هو في الإيمان بالله ... إلخ؛ أما الاتجاه فإنه لا يكون خيراً إلا إذا كان بأمر الله؛ ولا يكون شراً إلا إذا كان مخالفاً لأمر الله؛ فأيّ جهة توجهتم إليها بأمر الله فهو البر؛ وجاءت الآية بذكر المشرق، والمغرب؛ لأن أظهر، وأبين الجهات هي جهة المشرق، والمغرب.
قوله تعالى:{ولكن البر}: فيها قراءاتان؛ الأولى:{ولكنِ البرُّ} بالرفع؛ وعلى هذا تكون {لكن} مهملة غير عاملة؛ والقراءة الثانية التي في المصحف:{ولكنَّ البرَّ} بتشديد نون {لكنَّ}، فتكون عاملة.
قوله تعالى:{ولكن البر من آمن بالله ... }: {البر} عمل؛ و {من آمن} عامل؛ فكيف يصح أن يكون العامل خبراً عن العمل؟ في هذا أوجه:
الوجه الأول: أن الآية على تقدير مضاف؛ والتقدير: ولكن البر بر من آمن بالله ... إلخ.
الوجه الثاني: أن الآية على سبيل المبالغة؛ وليس فيها تقدير مضاف، كأنه جعل المؤمن هو نفس البر، مثلما يقال:«رجل عدل» بمعنى أنه عادل.
الوجه الثالث: أن نجعل {البر} بمعنى البارّ؛ فيكون مصدراً بمعنى اسم الفاعل؛ أي: ولكن البارَّ حقيقة القائمَ بالبر من آمن بالله ...