قوله تعالى:{وأقام الصلاة} هذه معطوفة على {آمن} التي هي صلة الموصول؛ فيكون التقدير: ومن أقام الصلاة؛ و {الصلاة} المراد بها الفرض، والنفل؛ وإقامتها الإتيان بها مستقيمة؛ لأن أقام الشيء يعني جعله قائماً مستقيماً؛ وليس المراد بإقامة الصلاة الإعلام بالقيام إليها؛ واعلم أن «الصلاة» من الكلمات التي نقلها الشارع عن معناها اللغوي إلى معنى شرعي؛ فمعناها في اللغة: الدعاء، كما قال تعالى:{وصلّ عليهم}[التوبة: ١٠٣] أي ادْعُ لهم بالصلاة، فقل: صلى الله عليكم؛ ولكنها في الشرع: عبادة ذات أقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم.
قوله تعالى:{وآتى الزكاة} أي أعطى الزكاة مستحقها؛ و «الزكاة» أيضاً من الكلمات التي نقلها الشرع عن معناها اللغوي إلى معنى شرعي؛ فالزكاة في اللغة من زكا يزكو - أي نما، وزاد؛ وبمعنى الصلاح؛ ومنه قوله تعالى:{قد أفلح من زكاها}[الشمس: ٩] أي أصلحها، وقومها؛ لكن في الشرع «الزكاة» هي التعبد ببذل مال واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة؛ وسميت زكاة؛ لأنها تنمي الخُلق وتنمي المال، وتنمي الثواب؛ تنمي الخُلُق بأن يكون الإنسان بها كريماً من أهل البذل، والجود، والإحسان؛ وهذا لا شك من أفضل الأخلاق شرعاً، وعادة؛ وتنمي المال بالبركة، والحماية، والحفظ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما نقصت صدقة من مال»(١)؛ وتزكي الثواب، كما قال تعالى:
(١) أخرجه مسلم ص ١١٣٠، كتاب البر والصلة، باب ١٩: استحباب العفو والتواضع، حديث ربم ٦٥٩٢ [٦٩] ٢٥٨٨.