للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذين يؤذنون قبل الفجر احتياطاً - على زعمهم -؛ لأن الله تعالى أباح الأكل، والشرب، والجماع، حتى يتبين الفجر؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» (١)؛ وهو أيضاً مخالف للاحتياط؛ لأنه يستلزم أن يمتنع الناس مما أحل الله لهم من الأكل، والشرب، والجماع، وأن يقدِّم الناس صلاة الفجر قبل طلوع الفجر؛ وأيضاً فإنه يفتح باباً للمتهاون، حيث يعلم أنه أذن قبل الفجر فلا يزال يأكل إلى أمد مجهول، فيؤدي إلى الأكل بعد طلوع الفجر من حيث لا يشعر؛ ثم اعلم أن الاحتياط الحقيقي إنما هو في اتباع ما جاء في الكتاب، والسنة - لا في التزام التضييق والتشديد -.

٢٠ ــ ومن فوائد الآية: أنه لو أكل الإنسان يظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه طلع فصيامه صحيح؛ لأنه قد أذن له بذلك حتى يتبين له الفجر؛ وما كان مأذوناً فيه فإنه لا يرتب عليه إثم، ولا ضمان، ولا شيء؛ ومن القواعد الفقهية المعروفة: «ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون»؛ وهذا هو ما تؤيده العمومات، مثل قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: ٢٨٦]؛ وقوله تعالى: {ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} [الأحزاب: ٥]؛ وتؤيده أيضاً نصوص خاصة في هذه المسألة نفسها ــ وهو فعل عدي بن حاتم رضي الله عنه،


(١) أخرجه البخاري ص ٥٠، كتاب الأذان، باب ١١، أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، حديث رقم ٦١٧، وأخرجه مسلم ص ٨٥٢، كتاب الصيام، باب ٨: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، حديث رقم ٢٥٣٦ [٣٦] ١٠٩٢.