الفادح أن يؤلف أحد القرآن مرتباً على الأبواب والمسائل كما صنعه بعض الناس؛ فإن هذا مخالف لنظم القرآن، والبلاغة، وعمل السلف؛ فالقرآن ليس كتاب فقه؛ ولكنه كتاب تربية، وتهذيب للأخلاق؛ فلا ترتيب أحسن من ترتيب الله؛ ولهذا كان ترتيب الآيات توقيفياً لا مجال للاجتهاد فيه؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت الآية قال:«ضعوا هذه الآية في مكان كذا من سورة كذا»(١).
{٢٠٧} قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه}؛ هذا هو القسيم لقوله تعالى:{ومن الناس من يعجبك ... }[البقرة: ٢٠٤]؛ وعلى هذا تكون {مِن} للتبعيض؛ والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم؛ و {من يشري} مبتدأ مؤخر.
وقوله تعالى:{من الناس}: قال بعض المفسرين: إنها تعني شخصاً معيناً؛ وهو صهيب الرومي لما أراد أن يهاجر من مكة منعه كفارها، وقالوا: لا يمكنك أن تهاجر أبداً إلا أن تدع لنا جميع ما تملك؛ فوافق على ذلك، وأنقذ نفسه بالهجرة ابتغاء مرضاة الله؛ وقال بعض العلماء - وهم أكثر المفسرين -: بل هي عامة لكل المؤمنين المجاهدين في سبيل الله؛ قالوا: ودليل ذلك قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}[التوبة: ١١١]؛ وهذا القول أصح؛ وهو أنها للعموم حتى لو صح أن سبب نزولها قصة
(١) أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ٣/ ٤٠٣، باب ٢١٥: بيان مشكل ما اختلف فيه عن عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الأنفال وبراءة وهل هما سورتان أو سورة واحدة.