والمراد بالهجرة في الآية ما يشمل المعنيين: العام، والخاص.
قوله تعالى:{وجاهدوا في سبيل الله} معطوفة على الصلة في {الذين هاجروا}؛ ولم يعد الموصول؛ لأن الهجرة والجهاد عملان مبنيان على الإيمان؛ و «الجهاد في سبيل الله» هو قتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا؛ و «الجهاد» هو بَذْلُكَ الجهد لأمر مطلوب؛ والجهد معناه الطاقة، كما قال تعالى:{والذين لا يجدون إلا جهدهم}[التوبة: ٧٩] يعني إلا طاقتهم؛ وهو يغلب على بذل الجهد في قتال الأعداء؛ وإلا فكل أمر شاق تبذل فيه الطاقة فإنه جهاد؛ ولهذا كان جهاد النفس يسمى جهاداً؛ ولكن لا صحة للحديث الذي يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما رجع من تبوك قال:«رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»(١) يعني: جهاد النفس؛ ولكن لا شك أن النفس تحتاج إلى مجاهدة لحملها على فعل الطاعة، وترك المعصية.
قوله تعالى:{أولئك يرجون رحمة الله}؛ هذه الجملة خبر {إن} في أول الآية؛ واسمها {الذين}؛ وجملة:{أولئك يرجون رحمة الله} الخبر؛ وهي جملة؛ لأن «أولاء» مبتدأ؛ و {يرجون} جملة خبر المبتدأ الثاني؛ والجملة من المبتدأ الثاني، والخبر خبر {إن}؛ والإشارة بمبتدأ جديد تدل على رفعة مقامهم؛ ولا سيما وقد أتى باسم الإشارة؛ وتصدير خبر {إن} باسم الإشارة للبعيد يدل على علو همتهم؛ فيكون في ذلك تنويه بذكرهم من وجهين:
(١) انظر: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص ١٢٧.