ثانياً: أن تعدد المبتدأ يجعل الجملة الواحدة كالجملتين؛ فيكون في ذلك توكيد على توكيد.
و «الرجاء» الطمع في حصول ما هو قريب؛ ومعلوم أن الطمع بما هو قريب لا يكون قريباً إلا بفعل ما يكون قريباً به؛ وهؤلاء فعلوا ما تكون الرحمة قريبة منهم؛ والذي فعلوه: الإيمان، والهجرة، والجهاد؛ فإذا لم يرْجُ هؤلاء رحمة الله فمن الذي يرجوها؟!! فهؤلاء هم أهل الرجاء؛ فالرجاء لا بد له من أسباب؛ وحسن الظن لا بد له من أسباب.
والمراد بالرحمة هنا يحتمل أن تكون الرحمة التي هي صفته - أي أن يرحمهم -؛ ويحتمل أن يكون المراد ما كان من آثار رحمته؛ وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى قال للجنة:«أنت رحمتي أرحم بك من أشاء»(١)؛ فجعل المخلوق رحمة له؛ لأنه من آثار رحمة الله؛ ولهذا قال:«أرحم بك»؛ أما الرحمة التي هي وصفه فهي شيء آخر؛ فالآية محتملة للمعنيين؛ وكلاهما متلازمان؛ لأن الله إذا رحم عبداً أدخله الجنة التي هي رحمته.
قوله تعالى:{والله غفور رحيم}؛ قد يقول قائل: ما محل ذكر اسم الله «الغفور» هنا مع أن هؤلاء قاموا بأعمال صالحة؟
(١) أخرجه البخاري ص ٤١٤، كتاب التفسير، باب ١: قوله تعالى: (وتقول هل من مزيد)، حديث رقم ٤٨٥٠، وأخرجه مسلم ص ١١٧٢، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب ١٣: النار يدخلها الجبارون ... ، حديث رقم ٧١٧٢ [٣٤] ٢٨٤٦.