(٧٤٥) لِآخَرٍ فَقِيلَ لِلْخَمْسِينَا
أَوِ الثَّلَاثِينَ مَضَتْ سِنِينَا.
[عُلُوُّ الصِّفَةِ قَلِيلُ الْجَدْوَى] :
(ثُمَّ) حَيْثُ انْقَضَتِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي هِيَ عُلُوُّ الْمَسَافَةِ، فَلْنَشْرَعْ فِي عُلُوِّ الصِّفَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ بِالْعُلُوِّ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْمَغَارِبَةِ: بَابٌ مُتَّسِعٌ، وَمَدَارُهُ عَلَى وُجُودِ الْمُرَجِّحَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ فِي أَنْ يُصَحِّحَ بَعْضُهُمْ مَا لَا يُصَحِّحُ الْآخَرُ ; إِذْ قُطْبُ دَائِرَتِهِ الظَّنُّ، وَأَهَمُّهُ مَا يَرْجِعُ إِلَى صِفَةِ الرَّاوِي، كَأَنْ يَكُونَ أَفْقَهَ، أَوْ أَحْفَظَ، أَوْ أَتْقَنَ، أَوْ أَضَبَطَ، أَوْ أَكْثَرَ مُجَالَسَةً لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، أَوْ أَقْدَمَ سَمَاعًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ وَفَاةً، قَالَ: وَعُلُوُّ الصِّفَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِالْأَنْدَلُسِ أَرْجَحُ مِنْ عُلُوِّ الْمَسَافَةِ خِلَافًا لِلْمَشَارِقَةِ، يَعْنِي الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: إِنَّهُ نَوْعٌ قَلِيلُ الْجَدْوَى بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي الْفُنُونِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ شَيْخِنَا: وَقَدْ عَظُمَتْ رَغْبَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ، حَتَّى غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ، بِحَيْثُ أَهْمَلُوا الِاشْتِغَالَ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ.
وَسَبَقَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: وَقَدْ عَظُمَتْ رَغْبَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي طَلَبِ الْعُلُوِّ، حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِخَلَلٍ كَثِيرٍ فِي الصَّنْعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْإِعْرَاضُ عَمَّنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ بِتَمْيِيزِهِ إِلَى مَنْ أَجْلَسَ صَغِيرًا لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وَلَا ضَبْطَ، وَلَا فَهْمَ ; طَلَبًا لِلْعُلُوِّ وَتَقَدُّمِ السَّمَاعِ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُوَافَقَاتِ وَمَا مَعَهَا: وَقَدْ كَثُرَ اعْتِنَاءُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهَذَا النَّوْعِ، يَعْنِي مُفَرَّقًا وَمَجْمُوعًا عَلَى حِدَةٍ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَسَاكِرَ، قَالَ: وَمِمَّنْ وَجَدْتُهُ فِي كَلَامِهِ الْخَطِيبُ وَبَعْضُ شُيُوخِهِ وَابْنُ مَاكُولَا وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَبَقَتِهِمْ، وَمِمَّنْ جَاءَ بُعْدَهُمْ.
[عُلُوُّ الْإِسْنَادِ بِقِدَمِ الْوَفَاةِ] :
فَأَوَّلُ أَقْسَامِ عُلُوِّ الصِّفَةِ، وَهُوَ الرَّابِعُ: (عُلُوُّ) الْإِسْنَادِ بِسَبَبِ (قِدَمِ الْوَفَاةِ) فِي أَحَدِ رُوَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِرَاوٍ آخَرَ مُتَأَخِّرِ الْوَفَاةِ عَنْهُ اشْتَرَكَ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute