وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مُقَدِّمَةِ تَمْهِيدِهِ: أَجْمَعُوا - أَيْ: أَهْلُ الْحَدِيثِ - عَلَى قَبُولِ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ، لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إِذَا جَمَعَ شُرُوطًا ثَلَاثَةً: الْعَدَالَةَ، وَاللِّقَاءَ مُجَالَسَةً وَمُشَاهَدَةً، وَالْبَرَاءَةَ مِنَ التَّدْلِيسِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ثُمَّ قَالَ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ " عَنْ " مَحْمُولَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى الِاتِّصَالِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَيُعْرَفَ الِانْقِطَاعُ فِيهَا، وَسَاقَ الْأَدِلَّةَ، وَادَّعَى أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ أَيْضًا تَبَعًا لِلْحَاكِمِ إِجْمَاعَ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى ذَلِكَ، وَزَادَ فَاشْتَرَطَ مَا سَيَأْتِي عَنْهُ قَرِيبًا.
[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]
[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ] وَيَخْدِشُ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ قَوْلُ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ - وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ - مَا حَاصِلُهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ كُلُّ عَدْلٍ فِي الْإِسْنَادِ: حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْتُ، إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ لَمْ يَقُولُوا أَوْ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَلَا، لِمَا عُرِفَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ بِالْعَنْعَنَةِ فِيمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ.
إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْإِجْمَاعَ رَاجِعٌ إِلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْخِلَافِ السَّابِقِ، فَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ فِي ثُبُوتِ الْوِفَاقِ بَعْدَ الْخِلَافِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ: إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا، أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ كَذَا، أَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ كَذَا - لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.
أَفَادَهُ شَيْخُنَا، وَلَا يَتِمُّ الْخَدْشُ بِهِ إِلَّا إِنْ كَانَ قَائِلًا بِاسْتِوَاءِ الِاحْتِمَالَيْنِ [أَوْ تَرْجِيحِ ثَانِيهِمَا] ، أَمَّا مَعَ تَرْجِيحِ أَوَّلِهِمَا فَلَا فِيمَا يَظْهَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute