للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُتَأَخِّرَةِ حَتَّى عُلُومِ الْأَوَائِلِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ عُلُومَ الْأَوَائِلِ قَدِ انْقَسَمَتْ إِلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ، فَمِنَ الْحَقِّ عِلْمُ الْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ وَالطِّبِّ، وَمِنَ الْبَاطِلِ مَا يَقُولُونَهُ فِي الطَّبِيعِيَّاتِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْإِلَهِيَّاتِ وَأَحْكَامِ النُّجُومِ، وَقَدْ تَحَدَّثَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَقْوَامٌ، فَيَحْتَاجُ الْقَادِحُ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ; لِئَلَّا يُكَفِّرَ مَنْ لَيْسَ بِكَافِرٍ أَوْ يَقْبَلُ رِوَايَةَ الْكَافِرِ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ قَدِ اسْتَرَاحُوا مِنْ هَذَا ; لِعَدَمِ شُيُوعِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي زَمَانِهِمْ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ غَيْرِهِ: إِنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ، فَيُجَرِّحَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ مَثَلًا بِشُرْبِ النَّبِيذِ مُتَأَوِّلًا ; لِأَنَّهُ يَرَاهُ قَادِحًا دُونَ غَيْرِهِ ; إِذْ لَوْ لَمْ نَعْتَبِرْ ذَلِكَ لَكَانَ الْجَارِحُ أَوِ الْمُعَدِّلُ غَارًّا لِبَعْضِ الْحُكَّامِ حَتَّى يَحْكُمَ بِقَوْلِ مَنْ لَا يَرَى قَبُولَ قَوْلِهِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْغِشِّ.

وَهُنَا لَطِيفَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَهِيَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ هَذَا تَكَلَّمَ فِي حَرْمَلَةَ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِنَّهُ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، وَسَبَبُهُ أَنَّ أَحْمَدَ سَمِعَ فِي كُتُبِ حَرْمَلَةَ مِنَ ابْنِ وَهْبٍ فَأَعْطَاهُ نِصْفَ سَمَاعِهِ وَمَنَعَهُ النِّصْفَ، فَتَوَلَّدَتْ بَيْنَهُمَا الْعَدَاوَةُ مِنْ هَذَا، وَكَانَ مَنْ يَبْدَأُ بِحَرْمَلَةَ إِذَا دَخَلَ مِصْرَ لَمْ يُحَدِّثْهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَكَأَنَّ مُرَادَهُ مِنَ الْغُرَبَاءِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ شَيْخُ الطَّبَرَانِيِّ، فَجُوزِيَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ بِمَا تَقَدَّمَ.

[لا يقبل الجرح إلا مفسرا]

وَلْنَرْجِعْ إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ; وَلِذَا قِيلَ فِي كُلٍّ مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: إِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مُفَسَّرًا، لَا سِيَّمَا وَقَدِ اسْتَفْسَرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ جَرَّحَ أَوْ عَدَّلَ فَذَكَرُوا مَا لَا يَقْتَضِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مَعَ فَوَائِدَ مُهِمَّةٍ، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ قَبُولُهُمَا مِنَ الْعَارِفِ بِأَسْبَابِهِمَا بِدُونِ تَفْسِيرٍ، فِي آخَرِينَ غَيْرِ النَّسَائِيِّ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ، أَوْرَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>