للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى، وَرُبَّمَا لَا يُمَيِّزُهُ الْحُذَّاقُ، وَيَا فَضِيحَةَ مَنِ اعْتَمَدَ صَنِيعَهُ بِقَصْدِ التَّخْطِئَةِ لِلْأَئِمَّةِ.

الثَّانِي: قَدِ اسْتَثْنَى ابْنُ النَّفِيسِ مِمَّا تَقَدَّمَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ وَقَالَ: إِنَّ الْأَوْلَى تَجْرِيدُهُ عَنِ الْإِعْجَامِ وَالْإِعْرَابِ ; لِأَنَّ هَذِهِ جَمِيعَهَا زَوَائِدُ عَلَى الْمَتْنِ. وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي كَوْنِ دِقَّةِ الْخَطِّ قَدْ تَقْتَضِي الِالْتِبَاسَ كَانَ إِيضَاحُهُ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ الضَّبْطُ.

[حُكْمُ دِقَّةِ الْخَطِّ]

(٥٦٤) وَيُكْرَهُ الْخَطُّ الدَّقِيقُ إِلَّا ... لِضِيقِ رَقٍّ أَوْ لِرَحَّالٍ فَلَا

(٥٦٥) وَشَرُّهُ التَّعْلِيقُ وَالْمَشْقُ كَمَا ... شَرُّ الْقِرَاءَةِ إِذَا مَا هَذْرَمَا

[حُكْمُ دِقَّةِ الْخَطِّ] : (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (الْخَطُّ الدَّقِيقُ) أَوِ الرَّقِيقُ، لَا سِيَّمَا وَالِانْتِفَاعُ بِهِ لِمَنْ يَقَعُ لَهُ الْكِتَابُ مِمَّنْ يَكُونُ ضَعِيفَ الْبَصَرِ أَوْ ضَعِيفَ الِاسْتِخْرَاجِ مُمْتَنِعٌ أَوْ بَعِيدٌ، بَلْ رُبَّمَا يَعِيشُ الْكَاتِبُ نَفْسُهُ حَتَّى يَضْعُفَ بَصَرُهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ شَيْخُنَا يَحْكِي أَنَّ الَّذِي يَكْتُبُ الْخَطَّ الدَّقِيقَ رُبَّمَا يَكُونُ قَصِيرَ الْأَمَلِ لَا يُؤَمِّلُ أَنْ يَعِيشَ طَوِيلًا. وَأَقُولُ: بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ طَوِيلَ الْأَمَلِ حَيْثُ تَرَجَّى مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنَّهُ وَلَوْ عَمَّرَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْخَطِّ الدَّقِيقِ.

ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحُكْمُ بِالْكَرَاهَةِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْحُكَمَاءِ فِي كَوْنِهِ رِيَاضَةً لِلْبَصَرِ وَتَدْمِينًا لَهُ كَمَا يُرَاضُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ بِمَا يَخُصُّهُ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَأَدْمَنَ عَلَى سِوَاهُ يَصْعُبُ عَلَيْهِ مُعَانَاتُهُ، كَمَنْ يَتْرُكُ الْمَشْيَ أَوْ لَا يَشَمُّ إِلَّا الرَّوَائِحَ الطَّيِّبَةَ، فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ تَعَاطَى الْمَشْيَ وَشَمَّ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً بِخِلَافِ مَنِ اعْتَادَهُ أَحْيَانًا.

وَلَا فَعَلَ جَمَاعَةٌ لِذَلِكَ حَتَّى بَعْدَ تَقَدُّمِهِمْ فِي السِّنِّ، مِنْهُمُ الْحَافِظَانِ الشَّمْسُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَالْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ، وَمِنْهُمْ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>