وَهُوَ كَذَلِكَ لِتَضَمُّنِهِ أَحَدَ شَيْئَيْنِ: وُقُوعُ غَيْرِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ، أَوْ تَصْحِيحُ كُلِّ مَا سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ بَيَّنَ رَدَّهُ الشَّارِحُ ; بِأَنَّ مُسْلِمًا شَرَطَ الصَّحِيحَ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ عَلَى حَدِيثٍ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ.
وَأَبُو دَاوُدَ إِنَّمَا قَالَ: مَا سَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ صَالِحٌ، وَالصَّالِحُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ نَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْحُسْنِ.
وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ عَنِ اعْتِرَاضِ ابْنِ رُشَيْدٍ الْمَاضِي، وَسَبَقَهُ شَيْخُهُ الْعَلَائِيُّ، فَأَجَابَ بِمَا هُوَ أَمْتَنُ مِنْ هَذَا.
وَعِبَارَتُهُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ - يَعْنِي: ابْنَ سَيِّدِ النَّاسِ - ضَعِيفٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ أَقْوَى ; لِأَنَّ دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ إِذَا تَفَاوَتَتْ، فَلَا يَعْنِي بِالْحَسَنِ إِلَّا الدَّرَجَةَ الدُّنْيَا مِنْهَا، وَالدَّرَجَةُ الدُّنْيَا مِنْهَا لَمْ يُخَرِّجْ مِنْهَا مُسْلِمٌ شَيْئًا فِي الْأُصُولِ، إِنَّمَا يُخَرِّجُهَا فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ.
وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ يُخَرِّجُ جَمِيعَ أَهْلِ الْقِسْمِ الثَّانِي فِي الْأُصُولِ، بَلْ وَفِي الْمُتَابَعَاتِ - لَكَانَ كِتَابُهُ أَضْعَافَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَاهُ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يُورِدْ لِعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلَّا فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَكَوْنِهِ مِنَ الْمُكْثِرِينَ لَيْسَ عِنْدَهُ سِوَى مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ.
وَكَذَا لَيْسَ لِابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ إِلَّا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَهُوَ مَنْ يُجَوِّزُ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لِلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَلَا لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلَا لِمُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ إِلَّا مَقْرُونًا، وَهَذَا بِخِلَافِ أَبِي دَاوُدَ ; فَإِنَّهُ يُخَرِّجُ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ فِي الْأُصُولِ مُحْتَجًّا بِهَا، وَلَأَجْلِ ذَا تَخَلَّفَ كِتَابُهُ عَنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ.
[الكلام على كتب البغوي]
(وَالْبَغَوِيُّ) نِسْبَةً لِبَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ خُرَاسَانَ بَيْنَ مَرْوَ وَهَرَاةَ يُقَالُ لَهَا: بَغُ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْمُفَسِّرُ الْحَافِظُ الْمُلَقَّبُ: مُحْيِي السُّنَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ رُكْنُ الدِّينِ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute