) [الْكَهْفِ: ٢٩] . وَأَوْجَبَ اللَّهُ الْكَشْفَ وَالتَّبَيُّنَ عِنْدَ خَبَرِ الْفَاسِقِ بِقَوْلِهِ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَرْحِ: ( «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» ) . وَفِي التَّعْدِيلِ: ( «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ.
وَلِذَا اسْتَثْنَوْا هَذَا مِنَ الْغَيْبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهِ، بَلْ عُدَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَمَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَفْظُهُ فِي قَوَاعِدِهِ: الْقَدْحُ فِي الرُّوَاةِ وَاجِبٌ ; لِمَا فِيهِ مِنْ إِثْبَاتِ الشَّرْعِ، وَلِمَا عَلَى النَّاسِ فِي تَرْكِ ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَحْكَامِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ خَبَرٍ يُجَوِّزُ الشَّرْعُ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَالرُّجُوعَ إِلَيْهِ، وَجَرْحُ الشُّهُودِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ ; لِحِفْظِ الْحُقُوقِ مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَنْسَابِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
[المتكلمون في الرجال]
وَتَكَلَّمَ فِي الرِّجَالِ - كَمَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ - جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ مِنَ التَّابِعِينَ كَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ، وَلَكِنَّهُ فِي التَّابِعِينَ ; أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ بِقِلَّةٍ ; لِقِلَّةِ الضَّعْفِ فِي مَتْبُوعِيهِمْ ; إِذِ اكْثَرُهُمْ صَحَابَةٌ عُدُولٌ، وَغَيْرُ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ أَكْثَرُهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ الَّذِي انْقَرَضَ فِي الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ ضَعِيفٌ إِلَّا الْوَاحِدَ بَعْدَ الْوَاحِدِ ; كَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَالْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ، فَلَمَّا مَضَى الْقَرْنُ الْأَوَّلُ وَدَخَلَ الثَّانِي كَانَ فِي أَوَائِلِهِ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ جَمَاعَةٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ، الَّذِينَ ضُعِّفُوا غَالِبًا مِنْ قِبَلِ تَحَمُّلِهِمْ وَضَبْطِهِمْ لِلْحَدِيثِ، فَتَرَاهُمْ يَرْفَعُونَ الْمَوْقُوفَ وَيُرْسِلُونَ كَثِيرًا، وَلَهُمْ غَلَطٌ ; كَأَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ آخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ - وَهُوَ حُدُودُ الْخَمْسِينَ وَمِائَةٍ - تَكَلَّمَ فِي التَّوْثِيقِ وَالتَّضْعِيفِ طَائِفَةٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute