أَنَّهُ رَفْعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِخِطَابٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَقْرَبُ الْحُدُودِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَكَوْنُهُ رَافِعًا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ أَمَدِ الْحُكْمِ، وَالنَّاسِخُ مَا دَلَّ عَلَى الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ، وَتَسْمِيَتُهُ نَاسِخًا مَجَازٌ ; لِأَنَّ النَّاسِخَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي هَذَا النَّوْعِ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الْعِلْمِ، بَلْ هُوَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أَشْبَهُ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الْأَثِيرِ: مَعْرِفَةُ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْمُحَدِّثَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا، بَلْ هِيَ مِنْ وَظِيفَةِ الْفَقِيهِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَنْبِطُ الْأَحْكَامَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَيَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُحَدِّثُ فَوَظِيفَتُهُ أَنْ يَنْقُلَ وَيَرْوِيَ مَا سَمِعَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَإِنْ تَصَدَّى لِمَا رَوَاهُ فَزِيَادَةٌ فِي الْفَضْلِ، وَكَمَالٌ فِي الِاخْتِيَارِ. انْتَهَى.
[فضله]
[يَنْبَغِي لِلْعَالَمِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَذَا الْفَنِّ] (وَهْوَ) ; أَيْ: هَذَا النَّوْعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، (قَمِنْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ ; أَيْ: حَقِيقٌ، (أَنْ يُعْتَنَى بِهِ) ; لِأَنَّهُ عِلْمٌ جَلِيلٌ ذُو غَوْرٍ وَغُمُوضٍ، دَارَتْ فِيهِ الرُّءُوسُ، وَتَاهَتْ فِي الْكَشْفِ عَنْ مَكْمُونِهِ النُّفُوسُ، بِحَيْثُ يَسْتَعْظِمُهُ الزُّهْرِيُّ أَحَدُ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ مَدَارُ حَدِيثِ الْحِجَازِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فِي الْفُتْيَا.
وَقَالَ: إِنَّهُ أَعْيَا الْفُقَهَاءَ وَأَعْجَزَهُمْ أَنْ يَعْرِفُوا نَاسِخَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنْسُوخِهِ. (وَكَانَ) إِمَامُنَا (الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ذَا) ; أَيْ: صَاحِبَ، (عِلْمِهِ) ، لَهُ فِيهِ الْيَدُ الطُّولَى وَالسَّابِقَةُ الْأُولَى، فَخَاضَ تَيَّارَهُ وَكَشَفَ أَسْرَارَهُ، وَاسْتَنْبَطَ مَعِينَهُ وَاسْتَخْرَجَ دَفِينَهُ، وَاسْتَفْتَحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute