قُلْتُ: وَهُوَ وَإِنْ سَبَقَهُ شَيْخُهُ الْمُصَنِّفُ إِلَى الْمَيْلِ إِلَيْهِ وَظَنِّ الْغَلَطِ، لَكِنْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ قَالَ: ثَانِي عَشَرَ. غَلِطَ مِنَ الْمَوْلِدِ إِلَى الْوَفَاةِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَعَذِّرٌ مِنْ حَيْثُ التَّارِيخِ إِلَّا عَلَى الْمَحْمَلِ الْمَاضِي لَهُ مَعَ خَدْشِهِ، مُسْتَلْزِمٌ لِتَوَالِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ فِي النَّقْصِ، وَكَلَامُهُ أَوَّلًا مُشْعِرٌ بِالتَّوَقُّفِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرَ، فَاشْتَكَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. فَمُشْكِلٌ ; لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ صَفَرَ الْأَرْبِعَاءَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِكَوْنِ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيسَ، مَهْمَا فُرِضَتِ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: ثُمَّ بَدَأَ بِهِ مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرَ. يَقْتَضِي أَنَّ أَوَّلَ صَفَرَ الْخَمِيسُ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ أَيْضًا.
[الاخْتُلاِفَ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ ثُمَّ مُدَّتِهِ ثُمَّ وَقْتِ وَفَاتِهِ وَدَفْنِهِ]
وَكَذَا اخْتُلِفَ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ ثُمَّ مُدَّتِهِ ثُمَّ وَقْتِ وَفَاتِهِ وَدَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ أَوْ يَوْمُ السَّبْتِ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ: إِنَّهُ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ: بِزِيَادَةِ يَوْمٍ، وَقِيلَ: بِنَقْصِهِ. وَالْقَوْلَانِ فِي (الرَّوْضَةِ) ، وَصَدَّرَ بِالثَّانِي، وَقِيلَ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ. وَبِهِ جَزَمَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فِي مَغَازِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ ضُحًى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: فَأَلْقَى السَّجْفَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ تَأَخَّرَ بَعْدَ الضُّحَى، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ النِّصْفِ الثَّانِي، فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الضُّحَى، وَهُوَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَتْ عَائِشَةُ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِهَا فَقَالَتْ: ( «مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - ارْتِفَاعَ الضُّحَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute