وَهُوَ فَنٌّ عَظِيمُ الْوَقْعِ مِنَ الدِّينِ، قَدِيمُ النَّفْعِ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَا يُعْتَنَى بِأَعَمَّ مِنْهُ، خُصُوصًا مَا هُوَ الْقَصْدُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ، وَهُوَ الْبَحْثُ عَنِ الرُّوَاةِ وَالْفَحْصِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ فِي ابْتَدَائِهِمْ وَحَالِهِمْ وَاسْتِقْبَالِهِمْ ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الِاعْتِقَادِيَّةَ وَالْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَلَامِ الْهَادِي مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْمُبَصِّرِ مِنَ الْعَمَى وَالْجَهَالَةِ، وَالنَّقَلَةُ لِذَلِكَ هُمُ الْوَسَائِطُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَالرَّوَابِطُ فِي تَحْقِيقِ مَا أَوْجَبَهُ وَسَنَّهُ، فَكَانَ التَّعْرِيفُ بِهِمْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَالتَّشْرِيفُ بِتَرَاجِمِهِمْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ ; وَلِذَا قَامَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَهْلُ الْحَدِيثِ، بَلْ نُجُومُ الْهُدَى وَرُجُومُ الْعِدَى.
[بَوَاعِثُ وَضْعِ التَّأْرِيخِ]
[بَوَاعِثُ وَضْعِ التَّأْرِيخِ] (وَوَضَعُوا التَّأْرِيخَ) الْمُشْتَمِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ ضَمِّهِمْ لَهُ الضَّبْطَ لِوَقْتِ كُلٍّ مِنَ السَّمَاعِ، وَقُدُومِ الْمُحَدِّثِ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فِي رِحْلَةِ الطَّالِبِ وَمَا أَشْبَهَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ تَصَانِيفِهِمْ فِي آدَابِ طَالِبِ الْحَدِيثِ ; لِيَخْتَبِرُوا بِذَلِكَ مَنْ جَهِلُوا حَالَهُ فِي الصِّدْقِ وَالْعَدَالَةِ، (لَمَّا كَذَبَا ذَوُوهُ) أَيْ: ذَوُو الْكَذِبِ، (حَتَّى بَانَ) أَيْ: ظَهَرَ بِهِ كَذِبُهُمْ وَبُطْلَانُ قَوْلِهِمُ الَّذِي يُرَوِّجُونَ بِهِ عَلَى مَنْ أَغْفَلَهُ، (لَمَّا حُسِبَا) سِنُّهُمْ وَسِنُّ مَنْ زَعَمُوا لُقْيَهُمْ إِيَّاهُ، وَافْتَضَحُوا بِذَلِكَ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ كَمَا اتَّفَقَ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا اخْتِبَارًا: أَيُّ سَنَةٍ كَتَبْتَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ؟ فَقَالَ: سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. يَعْنِي: وَمِائَةٍ، (فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ سَمِعْتَ مِنْ خَالِدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَبْعِ سِنِينَ) وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ خَالِدٍ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ: جَاءَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ: أَنَا شَيْخُكُمُ الصَّالِحُ. وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ. فَقِيلَ لَهُ: فِي أَيِّ سَنَةٍ لَقِيتَهُ؟ قَالَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ فِي غَزَاةِ أَرْمِينِيَّةَ. فَقِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا شَيْخُ، وَلَا تَكْذِبْ، مَاتَ خَالِدٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَلَمْ يَغْزُ أَرْمِينِيَّةَ) وَكَذَا قَالَ عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ خَالِدٍ أَيْضًا: إِنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَهُوَ قَوْلُ دُحَيْمٍ وَسُلَيْمَانَ الْخَبَايِرِيِّ وَمُعَاوِيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute