أَنَّ الضَّعِيفَ الَّذِي ضَعْفُهُ مِنْ جِهَةِ قِلَّةِ حِفْظِ رَاوِيهِ وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ لَا مِنْ جِهَةِ اتِّهَامِهِ بِالْكَذِبِ - إِذَا رُوِيَ مِثْلُهُ بِسَنَدٍ آخَرَ نَظِيرُهُ فِي الرِّوَايَةِ، ارْتَقَى إِلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ ; لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ حِينَئِذٍ مَا يُخَافُ مِنْ سُوءِ حِفْظِ الرَّاوِي، وَيَعْتَضِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَفْرَادُ الْمُتَوَاتِرِ.
وَالتَّشْبِيهُ بِالشَّهَادَةِ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ ; لِافْتِرَاقِهِمَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ (وَرَسَمُوا) أَيْ: سَمَّى جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ (مُنْقَطِعًا) قَوْلَهُمْ (عَنْ رَجُلٍ) أَوْ شَيْخٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُبْهَمُ الرَّاوِي فِيهِ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ لَهُ، وَمِنْ قَبْلِهِ الْحَاكِمُ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُرْسَلًا، وَ (فِي) كُتُبِ (الْأُصُولِ) كَـ (الْبُرْهَانِ) لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ (نَعْتُهُ) يَعْنِي تَسْمِيَتُهُ (بِالْمُرْسَلِ) ; وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ مِنْ صُوَرِهِ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ: عَنْ فُلَانٍ الرَّاوِي، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهُ.
أَوْ: أَخْبَرَنِي مَوْثُوقٌ بِهِ رَضِيٌّ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِسْنَادُ الْأَخْبَارِ إِلَى كُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُلْحَقٌ بِالْمُرْسَلِ ; لِلْجَهْلِ بِنَاقِلِ الْكِتَابِ، بَلْ فِي " الْمَحْصُولِ " أَنَّ الرَّاوِيَ إِذَا سَمَّى الْأَصْلَ بِاسْمٍ لَا يُعْرَفُ بِهِ، فَهُوَ كَالْمُرْسَلِ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْمُهْمَلَ ; كَعَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ جَمَاعَةً يُسَمَّوْنَ بِذَلِكَ، وَكَذَا الْمَجْهُولُ ; إِذْ لَا فَرْقَ.
[ذكر المبهمات في المراسيل]
وَمِمَّنْ أَخْرَجَ الْمُبْهَمَاتِ فِي الْمَرَاسِيلِ أَبُو دَاوُدَ، وَكَذَا أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى رِوَايَةِ الْمُبْهَمِ مُرْسَلًا، وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ; فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ مِنْ عُلَمَاءَ الرِّوَايَةِ وَأَرْبَابِ النَّقْلِ - كَمَا حَكَاهُ الرَّشِيدُ الْعَطَّارُ فِي كِتَابِهِ الْغُرَرِ الْمَجْمُوعَةِ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ فِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ، وَاخْتَارَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute