وَنَحْوُهُ مَا اتَّفَقَ لِبَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ، مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ فِي الْعِلْمِ مَبْلَغَ الَّذِي قَبْلَهُ بِيَقِينٍ ; فَإِنَّهُ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ فِي النَّاسِ بِدُونِ تَدَبُّرٍ وَلَا قِيَاسٍ، فَأُبْعِدَ عَنِ الْبَلَدِ وَتَزَايَدَ بِهِ الْأَلَمُ وَالنَّكَدُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا كَفَّ حَتَّى ثَقُلَ عَلَى الْكَافَّةِ وَمَا خَفَّ، وَارْتَقَى لِحُجَّةِ الْإِسْلَامِ ; فَضْلًا عَمَّنْ يَلِيهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْأَعْلَامِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ وَمَا اشْتَفَى مِنْ تِلْكَ النِّكَايَاتِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقِينَا شُرُورَ أَنْفُسِنَا وَحَصَائِدَ أَلْسِنَتِنَا.
وَلِمَا فِي الْجَرْحِ مِنَ الْخَطَرِ، لَمَّا جِيءَ لِلتَّقِيِّ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ بِالْمَحْضَرِ الْمُكْتَتَبِ فِي التَّقِيِّ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ ; لِيَكْتُبَ فِيهِ، امْتَنَعَ مِنْهَا أَشَدَّ امْتِنَاعٍ مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْعَدَاوَةِ الشَّدِيدَةِ، بَلْ وَأَغْلَظَ عَلَيْهِمْ فِي الْكَلَامِ، وَقَالَ: مَا يَحِلُّ لِي أَنِ اكْتُبَ فِيهِ. وَرَدَّهُ، فَتَزَايَدَتْ جَلَالَتُهُ بِذَلِكَ وَعُدَّ فِي وُفُورِ دِيَانَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَانْتَفَعَ ابْنُ بِنْتِ الْأَعَزِّ بِذَلِكَ، وَكَيْفَ لَا، وَالتَّقِيُّ هُوَ الْقَائِلُ مِمَّا أَحْسَنَ فِيهِ: أَعْرَاضُ الْمُسْلِمِينَ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، وَقَفَ عَلَى شَفِيرِهَا طَائِفَتَانِ مِنَ النَّاسِ: الْمُحَدِّثُونَ وَالْحُكَّامُ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: مَنْ أَرَادَ بِي سُوءًا جَعَلَهُ اللَّهُ مُحَدِّثًا أَوْ قَاضِيًا.
[النصح في الدين حق واجب]
(وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ: كَوْنُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ خَطَرًا فَلَابُدَّ مِنْهُ (فَالنُّصْحُ) فِي الدِّينِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِلْمُؤْمِنَيْنِ (حَقٌّ) وَاجِبٌ يُثَابُ مُتَعَاطِيهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَتِ النَّصِيحَةُ خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً، وَهَذَا مِنْهُ لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَبِي تُرَابٍ النَّخْشَبِيِّ حِينَ عَزَلَهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (لَا تَغْتَبِ النَّاسَ، وَيْحَكَ، هَذِهِ نَصِيحَةٌ، وَلَيْسَتْ غَيْبَةً) ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [الكهف: ٢٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute