أَبْيَنَ يَوْمَ عِيدٍ، فَشُدَّتْ عَنْزَةٌ - يَعْنِي: شَاةٌ - بِقُرْبِ الْمِحْرَابِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ سَأَلْتُهُمْ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ: مَا هِيَ الْعَنْزَةُ الْمَشْدُودَةُ فِي الْمِحْرَابِ؟ قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي يَوْمَ الْعِيدِ إِلَى عَنْزَةٍ، فَقُلْتُ: (يَا هَؤُلَاءِ، صَحَّفْتُمْ، مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ هَذَا، وَإِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْعَنَزَةِ: الْحَرْبَةِ) .
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْمِزِّيُّ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ، وَمِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ أَدَاءً لِلْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، بَلْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِيمَا يُعْلَمُ مِثْلُهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَيْضًا، وَكَانَ يَقُولُ إِذَا تَغَرَّبَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِرِوَايَةٍ مِمَّا يَذْكُرُهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُ: هَذَا مِنَ التَّصْحِيفِ الَّذِي لَمْ يَقِفْ صَاحِبُهُ إِلَّا عَلَى مُجَرَّدِ الصُّحُفِ وَالْأَخْذِ مِنْهَا.
[مَعْنَى التَّصْحِيفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيفِ]
[مَعْنَى التَّصْحِيفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيفِ] وَفِي بَعْضِ مَا أُدْرِجَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَمْثِلَةِ تَجَوُّزٌ بِالنِّسْبَةِ لِتَعْرِيفِهِ ; فَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنْ كَانَتِ الْمُخَالَفَةُ بِتَغْيِيرِ حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ مَعَ بَقَاءِ صُورَةِ الْخَطِّ فِي السِّيَاقِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّقْطِ فَالْمُصَحَّفُ، أَوْ إِلَى الشَّكْلِ فَالْمُحَرَّفُ.
وَلِذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَتَسْمِيَةُ بَعْضِ ذَلِكَ - يَعْنِي الْمَذْكُورَ - تَصْحِيفًا مَجَازٌ. قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنَ التَّصْحِيفِ الْمَنْقُولِ عَنِ الْأَكَابِرِ لَهُمْ فِيهِ أَعْذَارٌ لَمْ يَنْقُلْهَا نَاقِلُوهَا.
قَالَ غَيْرُهُ: وَمِنَ الْغَرِيبِ وُقُوعُ التَّصْحِيفِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْأَكَابِرِ، لَا سِيَّمَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ; فَإِنَّهُ يُنْقَلُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءُ عَجِيبَةٌ مَعَ تَصْنِيفِهِ تَفْسِيرًا، وَأُودِعَ فِي الْكُتُبِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا جُمْلَةٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ.
فَائِدَةٌ: كَتَبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ عَامِلِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ أَنْ أَحْصِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute