[تَعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]
[تَعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا] إِذَا عُلِمَ هَذَا، فَفِي هَذَا الْبَابِ عَشَرَةُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: فِي تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ. وَفِيهِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُشَيْدٍ: (إِيضَاحُ الْمَذَاهِبِ فِيمَنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّاحِبِ) . وَهُوَ لُغَةً: يَقَعُ عَلَى مَنْ صَحِبَ أَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ صُحْبَةٍ، فَضْلًا عَمَّنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ، وَكَثُرَتْ مُجَالَسَتُهُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: (رَائِي النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ رَأَى، حَالَ كَوْنِهِ (مُسْلِمًا) عَاقِلًا (ذُو صُحْبَةِ) عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، اكْتِفَاءً بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ لَحْظَةً، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مَعَهَا مُجَالَسَةٌ وَلَا مُمَاشَاةٌ وَلَا مُكَالَمَةٌ ; لِشَرَفِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ إِذَا رَآهُ مُسْلِمٌ أَوْ رَأَى مُسْلِمًا لَحْظَةً طُبِعَ قَلْبُهُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ; لِأَنَّهُ بِإِسْلَامِهِ مُتَهَيِّئٌ لِلْقَبُولِ، فَإِذَا قَابَلَ ذَلِكَ النُّورَ الْعَظِيمَ أَشَرَفَ عَلَيْهِ، فَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى قَلْبِهِ وَعَلَى جَوَارِحِهِ.
وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا أَحْمَدُ ; فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً، أَوْ رَآهُ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ رَآهُ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَتَبِعَهُمَا تِلْمِيذُهُمَا الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ. قِيلَ: وَيَرِدُ عَلَى ذَلِكَ تَوَقُّفُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَدُورُ ; لِأَنَّ (صَحِبَ) يَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّحَابِيِّ، وَالْعَكْسُ. لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُمْ بِصَحِبَ: الصُّحْبَةُ اللُّغَوِيَّةُ، وَبِالصَّحَابِيِّ: الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ. عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرِ بْنَ الطَّيِّبِ الْبَاقِلَّانِيَّ قَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ مُشْتَقٌّ مِنَ الصُّحْبَةِ جَارٍ عَلَى كُلِّ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، يُقَالُ: صَحِبَهُ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً. قَالَ: وَهَذَا يُوجِبُ فِي حُكْمِ اللُّغَةِ إِجْرَاءَ هَذَا عَلَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ سَاعَةً، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. قَالَ: وَمَعَ هَذَا فَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute