للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقَرَّرَ لِلْأُمَّةِ عُرْفٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَهُ إِلَّا فِيمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ، وَذَكَرَ الْمَذْهَبَ الثَّانِيَ.

وَكَذَا قَالَ صَاحِبُهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الصُّحْبَةَ الَّتِي اشْتُقَّ مِنْهَا الصَّحَابِيُّ لَا تُحَدُّ بِزَمَنٍ، بَلْ يَقُولُ: صَحِبْتُهُ سَنَةً، وَصَحِبْتُهُ سَاعَةً. وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ (شَرْحِ مُسْلِمٍ) عَقِبَ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ: وَبِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَرْجِيحِ مَذْهَبِ الْمُحَدِّثِينَ ; فَإِنَّ هَذَا الْإِمَامَ قَدْ نَقَلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ صُحْبَةَ سَاعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ قَدْ نَقَلُوا الِاسْتِعْمَالَ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. قُلْتُ: إِلَّا أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُشْتَرَطُ فِي اللُّغَةِ، وَالْكُفَّارُ لَا يَدْخُلُونَ فِي اسْمِ الصُّحْبَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ رَأَوْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الصُّحْبَةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ مُطْلَقُهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي التَّعْرِيفِ، وَتَأْكِيدُهَا بِحَيْثُ يَشْتَهِرُ بِهِ، وَهِيَ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ، فَإِذَا قُلْتَ: فُلَانٌ صَاحِبُ فُلَانٍ، لَمْ يَنْصَرِفْ - يَعْنِي: عُرْفًا - إِلَّا لِلْمُؤَكَّدَةِ ; كَخَادِمِ فُلَانٍ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْأَشْبَهُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ رَآهُ. وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الصُّحْبَةَ تَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَصْحَبَهُ حَنِثَ بِلَحْظَةٍ.

وَيَشْمَلُ الصَّحَابِيُّ الْأَحْرَارَ وَالْمَوَالِيَ، الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ. ثُمَّ إِنَّ التَّعْبِيرَ فِي التَّعْرِيفِ بِالرُّؤْيَةِ هُوَ فِي الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالضَّرِيرُ الَّذِي حَضَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَغَيْرِهِ، مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ بِلَا تَرَدُّدٍ. وَلِذَا عَبَّرَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِاللِّقَاءِ بَدَلَ الرُّؤْيَةِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا تَكُونُ مِنَ الرَّائِي بِنَفْسِهِ وَكَذَا بِغَيْرِهِ، لَكَانَ مَجَازًا، وَكَأَنَّهُ لَحَظَ شُمُولَهَا بِالْقُوَّةِ أَوْ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ حَسَنٌ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ ; كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا لَهُ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ بِثَلَاثَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>