أَشْهُرٍ وَأَيَّامٍ، فَهُوَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ نِسْبَةُ الرُّؤْيَةِ إِلَيْهِ، صَدَقَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ، وَيَكُونُ صَحَابِيًّا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ خَاصَّةً. وَعَلَيْهِ مَشَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ ; خِلَافًا لِلسَّفَاقُسِيِّ شَارِحِ الْبُخَارِيِّ ; فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الْفَتْحِ مَا نَصُّهُ: إِنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا عَقَلَ ذَلِكَ أَوْ عَقَلَ عَنْهُ كَلِمَةً كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَإِلَّا كَانَتْ لَهُ فَضِيلَةٌ، وَهُوَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ التَّابِعِينَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْعَلَائِيُّ ; حَيْثُ قَالَ فِي بَعْضِهِمْ: لَا صُحْبَةَ لَهُ، بَلْ وَلَا رُؤْيَةَ، وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ. وَهُوَ إِنْ سَلِمَ الْحُكْمُ لِحَدِيثِهِمْ بِالْإِرْسَالِ ; فَإِنَّهُمْ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ أَتْبَاعٌ، فَهُوَ فِيمَا نَفَاهُ مُخَالِفٌ لِلْجُمْهُورِ. وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا فِي (الْفَتْحِ) : إِنَّ أَحَادِيثَ هَذَا الضَّرْبِ مَرَاسِيلُ. قَالَ: وَالْخِلَافُ الْجَارِي بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَبَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى رَدِّ الْمَرَاسِيلِ مُطْلَقًا، حَتَّى مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ، لَا يَجْرِي فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ ; لِأَنَّ أَحَادِيثَهُمْ مِنْ قَبِيلِ مَرَاسِيلَ كِبَارِ التَّابِعِينَ لَا مِنْ قَبِيلِ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: صَحَابِيٌّ حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ، لَا يَقْبَلُهُ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ. انْتَهَى.
وَلِأَجْلِ اخْتِيَارِ عَدِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِينَ فِي الصَّحَابَةِ كَانَتْ فِي بَيْتِ الصِّدِّيقِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي نَسَقٍ، وَهُمْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ ; كَمَا سَيَأْتِي مَعَ مَا يُلَائِمُهُ فِي رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنِ الْأَبْنَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ رَآهُ وَآمَنَ بِهِ مِنَ الْجِنِّ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ إِلَيْهِمْ قَطْعًا، وَهُمْ مُكَلَّفُونَ، فِيهِمُ الْعُصَاةُ وَالطَّائِعُونَ ; وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْأَقْضِيَةِ مِنَ (الْمُحَلَّى) :
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute