قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ آمَنُوا وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُمْ صَحَابَةٌ فُضَلَاءُ. وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ ذِكْرُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَا الْتِفَاتَ لِإِنْكَارِ ابْنِ الْأَثِيرِ عَلَى أَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ تَخْرِيجَهُ فِي الصَّحَابَةِ لِبَعْضِ مَنْ عَرَفَهُ مِنْهُمْ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إِلَى حُجَّةٍ.
وَهَلْ يَدْخُلُ مَنْ رَآهُ مَيِّتًا قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ؟ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ الشَّاعِرِ إِنْ صَحَّ. قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ: لَا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إِنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَإِلَّا لَعُدَّ مَنِ اتَّفَقَ أَنْ يَرَى جَسَدَهُ الْمُكَرَّمَ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ الْمُعَظَّمِ وَلَوْ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كُشِفَ لَهُ عَنْهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَرَآهُ كَذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَامَةِ ; إِذْ حُجَّةُ مَنْ أَثْبَتَ الصُّحْبَةَ لِمَنْ رَآهُ قَبْلَ دَفْنِهِ أَنَّهُ مُسْتَمِرُّ الْحَيَاةِ، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ لَيْسَتْ دُنْيَوِيَّةً، وَإِنَّمَا هِيَ أُخْرَوِيَّةٌ، لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا ; فَإِنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ جَارِيَةٌ عَلَى سُنَنِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَوْتَى. انْتَهَى.
وَسَبَقَهُ شَيْخُهُ الْمُؤَلِّفُ فَمَالَ أَيْضًا إِلَى الْمَنْعِ ; فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّقْيِيدِ الظَّاهِرِ اشْتِرَاطَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ حَيٌّ، لَكِنَّهُ عَلَّلَهُ بِمَا هُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ ; حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَتِ النُّبُوَّةُ بِوَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِذَا لَمَّا أَشَارَ ابْنُ جَمَاعَةَ إِلَى حِكَايَتِهِ مَعَ إِبْهَامِ قَائِلِهِ تَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ: إِنَّهُ مَحَلُّ بَحْثٍ وَتَأَمُّلٍ. بَلْ أَضْرَبَ الْمُؤَلِّفُ نَفْسُهُ فِي شَرْحِهِ عَنِ التَّعْلِيلِ بِهِ مُقْتَصِرًا عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ، وَكَأَنَّهُ رُجُوعٌ مِنْهُ عَنْهُ.
وَقَالَ الْعَلَائِيُّ: إِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْطَى حُكْمَ الصُّحْبَةِ ; لِشَرَفِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute