للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ دَفْنِهِ وَصَلَاتِهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ عَدِّ الْمُعَاصِرِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَصْلًا فِيهِمْ، أَوِ الصَّغِيرِ الَّذِي وُلِدَ فِي حَيَاتِهِ. وَقَالَ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ نَعَمْ ; لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الصُّحْبَةَ لِمَنْ أَسْلَمَ فِي حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ، يَعْنِي فَيَكُونُ مَنْ رَآهُ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْلَى. وَجَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ يُعَدُّ صَحَابِيًّا ; لِحُصُولِ شَرَفِ الرُّؤْيَةِ لَهُ، وَإِنْ فَاتَهُ السَّمَاعُ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ الذَّهَبِيُّ فِي التَّجْرِيدِ. وَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا مِنْ تَرْجِيحِ عَدَمِ دُخُولِهِ قَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، فَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحَابِيٍّ. انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا فَيُزَادُ فِي التَّعْرِيفِ: قَبْلَ انْتِقَالِهِ مِنَ الدُّنْيَا.

وَكَذَا لَا يَدْخُلُ مَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ ; كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ شَيْخُنَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ، فَذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ، لَا الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. بَلْ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ بِعَدَمِ دُخُولِ مَنْ رَآهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، يَعْنِي مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمِ السَّلَامُ مِمَّنْ لَمْ يَبْرُزْ إِلَى عَالَمِ الدُّنْيَا. وَبِهَذَا الْقَيْدِ دَخَلَ فِيهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; وَلِذَا ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَجْرِيدِهِ، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا وَوَجَّهَهُ بِاخْتِصَاصِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِكَوْنِهِ رُفِعَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَيًّا، وَبِكَوْنِهِ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبِهَذِهِ الثَّلَاثِ يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الصَّحَابَةِ.

وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ هَلْ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ وَعَلَى الثَّانِي مَشَى الْحَلِيمِيُّ وَأَقَرَّهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ. بَلْ نَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي (أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ) الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ وَالْبُرْهَانُ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِمَا، وَنُوزِعَا فِي ذَلِكَ. وَرَجَّحَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ مُقَابِلَهُ ; مُحْتَجًّا بِمَا يَطُولُ شَرْحُهُ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَفِي صِحَّةِ بِنَاءِ دُخُولِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي الْفَتْحِ ; حَيْثُ مَشَى عَلَى الْبِنَاءِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>