فَغَابَتِ الْحَيَّةُ وَلَمْ يُرَ لَهَا بَعْدُ أَثَرٌ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ فِي الْإِسْنَادِ: عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَانَ حُجَّةً، وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ بِتَعْيِينِهِ ; لِثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ.
وَخَالَفَ ابْنُ مَنْدَهْ فَقَالَ: مِنْ حُكْمِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ إِذَا رَوَى عَنْهُ تَابِعِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا ; كَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، نُسِبَ إِلَى الْجَهَالَةِ. فَإِذَا رَوَى عَنْهُ رَجُلَانِ صَارَ مَشْهُورًا وَاحْتُجَّ بِهِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا بَنَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ صَحِيحَيْهِمَا إِلَّا أَحْرُفًا تَبَيَّنَ أَمْرُهَا. وَيُسَمِّي الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ مُرْسَلًا، وَهُوَ مَرْدُودٌ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ: الْمَجْهُولُ مِنَ الصَّحَابَةِ خَبَرُهُ حُجَّةٌ إِنْ عَمِلَ بِهِ السَّلَفُ أَوْ سَكَتُوا عَنْ رَدِّهِ مَعَ انْتِشَارِهِ بَيْنَهُمْ. فَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ، فَإِنْ وَافَقَ الْقِيَاسَ عُمِلَ، وَإِلَّا فَلَا ; لِأَنَّهُ فِي الْمَرْتَبَةِ دُونَ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ خَبَرَ الْمَشْهُورِ الَّذِي لَيْسَ بِفَقِيهٍ حُجَّةٌ مَا لَمْ يُخَالِفِ الْقِيَاسَ، وَخَبَرَ الْمَجْهُولِ مَرْدُودٌ مَا لَمْ يُؤَيِّدْهُ الْقِيَاسُ ; لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ وَمَنْ لَمْ تَظْهَرْ.
[الْمُكْثِرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ]
[الْمُكْثِرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ] الرَّابِعَةُ: فِي الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِوَايَةً وَإِفْتَاءً. (وَالْمُكْثِرُونَ) مِنْهُمْ رِوَايَةً كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ، الَّذِينَ زَادَ حَدِيثُهُمْ عَلَى أَلْفٍ (سِتَّةُ) ، وَهُمْ: (أَنَسٌ) هُوَ ابْنُ مَالِكٍ، وَ (ابْنُ عُمَرَ) عَبْدُ اللَّهِ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ (الصِّدِّيقَةُ) ابْنَةُ الصِّدِّيقِ، وَ (الْبَحْرُ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ. وَسُمِّيَ بَحْرًا ; لِسَعَةِ عِلْمِهِ وَكَثْرَتِهِ، وَمِمَّنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ التَّابِعِينَ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ، فَقَالَ فِي شَيْءٍ: وَأَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ، يُرِيدُ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَ (جَابِرٌ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَ (أَبُو هُرَيْرَةِ) ، وَهُوَ بِإِجْمَاعٍ حَسْبَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ (أَكْثَرُهُمْ) كَمَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَتَبِعَهُمَا ابْنُ الصَّلَاحِ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِتَرْتِيبِ مَنْ عَدَاهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute