ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي جَامِعِ الْعِلْمِ لَهُ عَنْهُمْ أُمُورًا كَثِيرَةً، وَحَكَمَ بِأَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا، وَحَمَلَ بَعْضَهَا عَلَى أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ غَضَبٍ، وَجَرَّحَ مَنْ قَالَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (فَرُبَّمَا كَانَ لِجَرْحٍ مَخْرَجُ) أَيْ: مَخْلَصٌ صَحِيحٌ يَزُولُ بِهِ، وَلَكِنْ (غَطَّى عَلَيْهِ السُّخْطُ) وَحُجِبَ عَنْهُ الْفِكْرُ (حِينَ يَحْرَجُ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ، أَنْ يَضِيقَ صَدْرُهُ بِسَبَبٍ نَالَهُ ; لِأَنَّ الْفَلَتَاتِ مِنَ الْأَنْفُسِ لَا يُدَّعَى الْعِصْمَةُ مِنْهَا ; فَإِنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ غَضَبٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى فَبَدَرَتْ مِنْهُ بَادِرَةُ لَفْظٍ فَحُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ، لَا أَنَّهُمْ مَعَ جَلَالَتِهِمْ وَوُفُورِ دِيَانَتِهِمْ تَعَمَّدُوا الْقَدْحَ بِمَا يَعْلَمُونَ بُطْلَانَهُ، حَاشَاهُمْ، وَكُلٌّ تَقِيٌّ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ هَذَا الدَّاءُ فِي الْمُتَعَاصِرِينَ، وَسَبَبُهُ غَالِبًا مِمَّا هُوَ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ أَكْثَرُ الْمُنَافَسَةِ فِي الْمَرَاتِبِ، وَلَكِنْ قَدْ عَقَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي جَامِعِهِ بَابًا لِكَلَامِ الْأَقْرَانِ الْمُتَعَاصِرِينَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، وَرَأَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ فِيهِمْ إِلَّا بِبَيَانٍ وَاضِحٍ، فَإِنِ انْضَمَّ لِذَلِكَ عَدَاوَةٌ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَلَوْ كَانَ سَبَبُ تِلْكَ الْعَدَاوَةِ الِاخْتِلَافَ فِي الِاعْتِقَادِ ; فَإِنَّ الْحَاذِقَ إِذَا تَأَمَّلَ ثَلْبَ أَبِي إِسْحَاقَ الْجَوْزَجَانِيِّ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ رَأَى الْعَجَبَ ; وَذَلِكَ لِشِدَّةِ انْحِرَافِهِ فِي النَّصْبِ وَشُهْرَةِ أَهْلِهَا بِالتَّشَيُّعِ، فَتَرَاهُ لَا يَتَوَقَّفُ فِي جَرْحِ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْهُمْ بِلِسَانٍ ذَلِقٍ وَعِبَارَةٍ طَلِقَةٍ، حَتَّى إِنَّهُ أَخَذَ يُلَيِّنُ مِثْلَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَأَسَاطِينَ الْحَدِيثِ وَأَرْكَانَ الرِّوَايَةِ، فَهَذَا إِذَا عَارَضَهُ مِثْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ فَوَثَّقَ رَجُلًا مِمَّنْ ضَعَّفَهُ هُوَ قُبِلَ التَّوْثِيقِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خِرَاشٍ الْمُحَدِّثُ الْحَافِظُ ; فَإِنَّهُ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ، بَلْ نُسِبَ إِلَى الرَّفْضِ، فَيَتَأَتَّى فِي جَرْحِهِ لِأَهْلِ الشَّامِ لِلْعَدَاوَةِ الْبَيِّنَةِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَكَذَا كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ شِيعِيًّا، فَلَا يُسْتَغْرَبُ مِنْهُ أَنْ يَتَعَصَّبَ لِأَهْلِ الرَّفْضِ ; وَلِذَا كَانَتِ الْمُخَالِفَةُ فِي الْعَقَائِدِ أَحَدَ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الَّتِي تَدْخُلُ الْآفَةُ مِنْهَا ; فَإِنَّهَا - كَمَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - أَوْجَبَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute