للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكْفِيرَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، أَوْ تَبْدِيعَهِمْ، وَأَوْجَبَتْ عَصَبِيَّةً اعْتَقَدُوهَا دِينًا يَتَدَيَّنُونَ وَيَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعْنُ بِالتَّكْفِيرِ أَوِ التَّبْدِيعِ، قَالَ: وَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرًا فِي الطَّبَقَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، بَلْ قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّهُ مَوْجُودٌ كَثِيرًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاقُ الْجَرْحِ بِذَلِكَ، فَقَدْ قَدَّمْنَا تَحْقِيقَ الْحَالِ فِي الْعَمَلِ بِرِوَايَةِ الْمُبْتَدِعَةِ، وَحَكَيْنَا كَلَامَ الشَّافِعِيِّ هُنَاكَ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ.

وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مِمَّا جَعَلَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَجْهًا مُسُتَقِلًّا الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَصْحَابِ الْعُلُومِ الظَّاهِرَةِ، فَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمْ تَنَافُرٌ أَوْجَبَ كَلَامَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ قَالَ: وَهَذِهِ غَمْرَةٌ لَا يَخْلُصُ مِنْهَا إِلَّا الْعَالِمُ الْوَافِي بِشَوَاهِدَ الشَّرِيعَةِ، وَلَا أَحْصُرُ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ بِالْفُرُوعِ الْمَذْهَبِيَّةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ لَا يَفِي بِتَمْيِيزِ حِقِّهِ مِنْ بَاطِلِهِ عِلْمُ الْفُرُوعِ، بَلْ لَابُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ، وَالْمُسْتَحِيلِ الْعَقْلِيِّ وَالْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُتَمَيِّزُ فِي الْفِقْهِ جَاهِلًا بِذَلِكَ، حَتَّى يَعُدَّ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً مُسْتَحِيلًا عَقْلًا، وَهَذَا الْمَقَامُ خَطَرٌ شَدِيدٌ ; فَإِنَّ الْقَادِحَ فِي الْمُحِقِّ مِنَ الصُّوفِيَّةِ مُعَادٍ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ» ) .

وَالتَّارِكُ لِإِنْكَارِ الْبَاطِلِ مِمَّا يَسْمَعُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ تَارِكٌ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» ) . فَإِذَا انْضَمَّا - أَعْنِي الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَهْلِ عِلْمِ الظَّاهِرِ وَالْمُخَالِفَةِ فِي الْعَقَائِدِ - مَعَ الْوَجْهَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ ; وَهُمَا الْجَهْلُ بِمَرَاتَبِ الْعُلُومِ وَالْغَرَضُ وَالْهَوَى، وَانْضَافَ إِلَيْهَا عَدَمُ الْوَرَعِ وَالْأَخْذُ بِالتَّوَهُّمِ وَالْقَرَائِنِ الَّتِي قَدْ تَتَخَلَّفُ - كَانَتِ الْأَوْجَهُ الْخَمْسَةُ، الَّتِي ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>