فِي الْجَلَالَةِ وَقِدَمِ السَّمَاعِ، فَلَا يَكُونُ الطَّرِيقُ إِلَى الْبُخَارِيِّ كَالطَّرِيقِ إِلَى ابْنِ السَّمَّاكِ.
وَمُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ الْوَفَاةِ يَكُونُ حَدِيثُهُ أَعْلَى، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ سَمَاعُهُ أَوِ اقْتَرَنَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُتَأَخِّرِ يَنْدُرُ وُقُوعُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الَّذِي بَعْدَهُ ; لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ الْوَفَاةِ يَعِزُّ وُجُودُ الرُّوَاةِ عَنْهُ بِالنَّظَرِ لِمُتَأَخِّرِهَا، فَيُرْغَبُ فِي تَحْصِيلِ مَرْوِيِّهِ لِذَلِكَ.
عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي الدَّمِ قَدْ نَازَعَ فِي أَصْلِ هَذَا الْقِسْمِ، وَقَالَ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إِذَا رَوَى صَحَابِيَّانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ، وَاتَّصَلَتْ سِلْسِلَةُ كُلِّ جَمَاعَةٍ بِمَنْ رَوَى عَنْهُ، وَتَسَاوَى الصَّحَابِيَّانِ مَعَ الْعَدَالَةِ فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ، وَتَسَاوَى الْإِسْنَادُ فِي الْعَدَدِ وَصِفَاتِ الرُّوَاةِ، إِلَّا أَنَّ أَحَدَ الصَّحَابِيَّيْنِ تُوُفِّيَ قَبْلَ الْآخَرِ، أَنَّ إِسْنَادَ مَنْ تَقَدَّمَتْ وَفَاتُهُ أَعْلَى مِنْ إِسْنَادِ مَنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ. قَالَ: وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا كَذَلِكَ، وَهُوَ لَازِمٌ لَا مَحَالَةَ. انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ أَيْضًا لَمْ يَرْتَضِهِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي (الِاقْتِرَاحِ) ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ شَيْخُنَا فِي (تَوْضِيحِ النُّخْبَةِ) ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الْعُلُوِّ الْمُبْتَنَى عَلَى تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ نِسْبَةِ شَيْخٍ إِلَى شَيْخٍ، وَقِيَاسِ رَاوٍ بِرَاوٍ.
[الِاخْتِلَافُ فِي حَدِّ تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ فِي الْعُلُوِّ] :
وَ (أَمَّا الْعُلُوُّ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ مُجَرَّدِ تَقَدُّمِ وَفَاةِ شَيْخِكَ (لَا مَعَ الْتِفَاتِ) نَظَرٍ (لِـ) شَيْخٍ (آخَرٍ) بِالصَّرْفِ لِلضَّرُورَةِ ; فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ، (فَقِيلَ) يَكُونُ (لِلْخَمْسِينَا) مِنَ السِّنِينِ مَضَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، كَمَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْحَافِظِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَوْصَاءَ الدِّمِشْقِيِّ شَيْخِ الشَّامِ، وَكَانَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَدِيثِ، أَنَّهُ قَالَ: إِسْنَادُ خَمْسِينَ سَنَةٍ مِنْ مَوْتِ الشَّيْخِ إِسْنَادُ عُلُوٍّ. (أَوِ الثَّلَاثِينَ مَضَتْ سِنِينَا) ; أَيْ: مِنَ السِّنِينِ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ: إِنَّهُ إِذَا مَرَّ عَلَى الْإِسْنَادِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَهُوَ عَالٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute