وَلَكِنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي صُورَةٍ يَنْدُرُ وُقُوعُهَا كَمَا أَسْلَفْتُهُ قَرِيبًا، وَهِيَ مَا إِذَا تَأَخَّرَتْ وَفَاةُ الْمُتَقَدِّمِ السَّمَاعِ. وَلِأَجْلِهَا فِيمَا يَظْهَرُ غَايَرَ بَيْنَهُمَا ابْنُ الصَّلَاحِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَازَعُ فِي تَرْجِيحِ الْمُتَقَدْمِ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ الشَّيْخُ اخْتَلَطَ أَوْ خَرِفَ لِهِرَمٍ أَوْ مَرَضٍ بِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ حِينَ تَحْدِيثِهِ لَهُ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ.
كَمَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ يَكُونُ الْمُتَقَدِّمُ السَّمَاعِ مُتَيَقِّظًا ضَابِطًا، وَالْمُتَأَخِّرُ لَمْ يَصِلْ إِلَى دَرَجَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَيَّدُ بِمَا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَرْجِيحٌ بِغَيْرِ الْقِدَمِ.
وَمِنْ صُوَرِ عُلُوِّ الصِّفَةِ أَيْضًا - وَأَفْرَدَهُ الْخَلِيلِيُّ بِقِسْمٍ - تَسَاوِي السَّنَدَيْنِ، وَامْتِيَازُ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِ رُوَاتِهِ حُفَّاظًا عُلَمَاءَ، فَهَذَا أَعْلَى مِنَ الْآخَرِ. وَنَحْوُهُ تَفْسِيرُ شَيْخِنَا الْعُلُوَّ الْمَعْنَوِيَّ بِإِسْنَادِ جَمِيعٌ رِجَالِهِ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ أَوْ فُقَهَاءُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مِثْلِ أَنْ يَكُونَ سَنَدُهُ صَحِيحًا كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ.
وَكَذَا مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ مِمَّا لَمْ يَلْتَحِقْ بِصِفَةٍ وَلَا مَسَافَةٍ الْحَدِيثُ الَّذِي لَا بُدَّ لِلْمُحَدِّثِ مِنْ إِيرَادِهِ فِي تَصْنِيفٍ أَوِ احْتِجَاجٍ بِهِ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ وُجُودُهُ مِنْ طَرِيقِ مَنْ حَدِيثُهُ عِنْدَهُ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَهُوَ مَعَ نُزُولِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عِنْدَهُ عَالٍ لِعِزَّتِهِ.
أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ طَاهِرٍ، ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ مَعَ كَوْنِهِ رَوَى عَنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَعَنْ أَمَاثِلَ أَصْحَابِ مَالِكٍ، رَوَى حَدِيثًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ الَّذِي يَرْوِي عَنِ التَّابِعِينَ لِمَعْنًى فِيهِ، وَهُوَ تَصْرِيحُ مَالِكٍ بِالتَّحْدِيثِ، فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ. فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْعُلُوِّ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالْإِيضَاحِ الشَّافِي.
[النُّزُولُ أَيْضًا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ] :
(وَضِدُّهُ) ; أَيْ: وَضِدُّ الْعُلُوِّ (النُّزُولُ) ، بِحَيْثُ يَتَنَوَّعُ أَقْسَامُهُ (كَالْأَنْوَاعِ) السَّابِقَةِ لِلْعُلُوِّ، فَمَا مِنْ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِهِ الْخَمْسَةِ إِلَّا وَضِدُّهُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ النُّزُولِ، فَهُوَ إِذًا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، وَتَفْصِيلُهَا يُدْرَكُ مِنْ تَفْصِيلِ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute