وَاصْطِلَاحًا، بِأَنَّ أَهْلَ الِاصْطِلَاحِ غَايَرُوا بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَقِلَّتُهُ، فَالْفَرْدُ أَكْثَرُ مَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْفَرْدِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ، وَلَوْ تَعَدَّدَتِ الطُّرُقُ إِلَيْهِ، وَالْغَرِيبُ أَكْثَرُ مَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْفَرْدِ النِّسْبِيِّ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ إِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُهُمُ الْفِعْلَ الْمُشْتَقَّ فَلَا يُفَرِّقُونَ، فَيَقُولُونَ فِي النِّسْبِيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ فُلَانٌ، أَوْ أَغْرَبَ بِهِ فُلَانٌ. انْتَهَى.
عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ أَشَارَ إِلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَقَالَ: وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُعَدُّ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَفْرَادِ مَعْدُودًا مِنْ أَنْوَاعِ الْغَرِيبِ ; كَمَا فِي الْأَفْرَادِ الْمُضَافَةِ إِلَى الْبِلَادِ.
قُلْتُ: إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: انْفَرَدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مَثَلًا وَاحِدًا مِنْ أَهْلِهَا، فَهُوَ الْغَرِيبُ، وَرُبَّمَا يُسَمَّى كُلٌّ مِنْ قِسْمَيِ الْغَرِيبِ ضَيِّقَ الْمَخْرَجِ.
قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ وَاصِلٍ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَدَّادِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى أَنَسٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: (لَا أَعْرِفُ شَيْئًا فِيمَا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ) : هُوَ أَضْيَقُ حَدِيثٍ فِي الْبُخَارِيِّ، سَأَلَنِي عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي ذُهْلٍ - يَعْنِي أَحَدَ مَشَايِخِهِ - فَأَخْرَجْتُهُ لَهُ، فَسَمِعَهُ - يَعْنِي: سَمِعَهُ شَيْخُهُ مِنْهُ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمْشَاذَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرٍو، وَكَأَنَّ ضِيقَهُ مَخْصُوصٌ بِرِوَايَةِ الْحَدَّادِ عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ عَقِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute