للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ. أَمَّا إِذَا فِي أَحَدِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ أَنَّهُ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْآخَرِ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلْأُصُولِيِّينَ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ، وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَسْخَ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ، وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ. وَحُجَّةُ الطَّرَفِ الْآخَرِ أَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا هُوَ بِالْمُتَوَاتِرِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مُعِينٌ لِلنَّاسِخِ، لَا نَاسِخَ ; لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ، وَالْآخَرَ مَنْسُوخٌ بِدُونِهِ.

وَكَذَا مَحَلُّ ثَانِيهِمَا فِيمَا إِذَا كَانَ مُسْتَنَدُهُ النَّقْلَ، أَوْ قَالَ: الْقَوْلُ بِكَذَا مَنْسُوخٌ، أَوْ: هَذَا هُوَ النَّاسِخُ. وَكَذَا إِنْ قَالَ: هَذَا نَاسِخٌ، وَذَكَرَ دَلِيلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: هَذَا نَاسِخٌ، أَوْ: هَذَا نَسْخٌ لِهَذَا، لَمْ يُرْجَعْ إِلَيْهِ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ ; لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ عَنِ اجْتِهَادٍ نَشَأَ عَنْ ظَنِّ مَا لَيْسَ بِنَسْخٍ نَسْخًا، لَا سِيَّمَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَسْبَابِ النَّسْخِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

وَلَكِنْ قَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِأَهْلِ الْحَدِيثِ الْقَوْلَ بِمَعْرِفَةِ النَّسْخِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ، بَلْ وَأَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا ; حَيْثُ ذَكَرَ الْأَدِلَّةَ الْأَرْبَعَةَ، فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي (الْمَدْخَلِ) مِنْ طَرِيقِهِ: وَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إِلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ بِوَقْتٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، أَوْ بِقَوْلِ مَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ الْعَامَّةِ، يَعْنِي الْإِجْمَاعَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْضَحُ وَأَشْهَرُ ; إِذِ النَّسْخُ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ، وَالصَّحَابَةُ أَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ أَحَدُهُمْ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِنَسْخٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ تَأَخُّرَ النَّاسِخِ عَنْهُ.

لَيْسَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا يَرْوِيهِ الصَّحَابِيُّ الْمُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ مُعَارِضًا لِمُتَقَدِّمٍ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ ; لِتَجْوِيزِ سَمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ بَعْدَ الْمُتَأَخِّرِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ أَقْدَمَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِ الْمَذْكُورِ أَوْ مِثْلِهِ فَأَرْسَلَهُ، لَكِنْ إِنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا قَبْلَ إِسْلَامِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>