وَهُوَ مِمَّنْ لَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ، فَظَهَرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مِنَ الْمُرْسَلِ الْخَفِيِّ، هَذَا مَعَ تَخْرِيجِ أَبِي دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ لِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَا وَاسِطَةٍ، بَلْ وَخَرَّجَ غَيْرُهُ أَحَادِيثَ كَذَلِكَ.
وَ (كَذَا زِيَادَةُ اسْمِ رَاوٍ) يَتَوَسَّطُ (فِي السَّنَدْ) بَيْنَ الرَّاوِيَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَ يُظَنُّ الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا مَظْهَرَةً لِلْإِرْسَالِ الْخَفِيِّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا (إِنْ كَانَ حَذْفُهُ) ; أَيْ: ذَاكَ الِاسْمِ الزَّائِدِ وَقَعَ (بِـ) صِيغَةِ (عَنْ) . وَقَالَ: وَنَحْوُهُمَا مِمَّا لَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاتِّصَالِ (فِيهِ) ; أَيْ: فِي السَّنَدِ الَّذِي بِدُونِهِ (وَرَدْ) ; فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ الرِّوَايَةُ النَّاقِصَةُ مُعَلَّةٌ بِالْإِسْنَادِ الْآتِي بِالزِّيَادَةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ أَوْ نَحْوِهِ ; إِذِ الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وَعَبَّرَ شَيْخُنَا بِقَوْلِهِ: تَرَجَّحَتِ الزِّيَادَةُ. مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ: ( «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ» ) . رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، وَكِلَاهُمَا عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ. وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ رِبْعِيًّا يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ. بَلْ وَتُوبِعَ شُعْبَةُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. وَكَذَا رَوَاهُ شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، لَكِنَّهُ قَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. بَلْ رَوَاهُ الْأَشْجَعِيُّ وَأَبُو عَامِرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الثَّوْرِيِّ بِإِثْبَاتِ زَيْدٍ. وَكَذَا رَوَاهُ مُؤَمَّلٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ، قَالَ: عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ. فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مُرْسَلَةٌ وَإِنْ كَانَ رِبْعِيٌّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ ; فَقَدْ جَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ ابْنُ عَسَاكِرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وَحَكَاهُ الْمِزِّيُّ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، هَذَا مَعَ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَدْ أَثْبَتَ سَمَاعَهُ مِنْ عُمَرَ الْمُتَوَفَّى قَبْلَ أَبِي ذَرٍّ بِتِسْعِ سِنِينَ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ جَزْمًا ; وَلِذَا تَوَقَّفَ شَيْخُنَا فِي الْجَزْمِ بِعَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْهُ. وَلَكِنَّ اقْتِصَارَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَالضِّيَاءِ فِي (الْمُخْتَارَةِ) عَلَى إِيرَادِهِ فِي صِحَاحِهِمْ بِإِثْبَاتِ الْوَاسِطَةِ قَدْ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute