قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ - أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَحِيحٍ حَسَنًا. قَالَ: نَعَمْ قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كُلُّ حَسَنٍ صَحِيحًا، صَحِيحٌ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ تَعَقُّبٌ وَارِدٌ، وَرَدٌّ وَاضِحٌ. انْتَهَى.
لَكِنْ قَدْ سَلَفَ قَوْلُ ابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ نَفْسِهِ: أَنَّ التِّرْمِذِيَّ عَرَّفَ نَوْعًا خَاصًّا مِنَ الْحَسَنِ ; يَعْنِي: فَمَا عَدَاهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ، كَالصَّحِيحِ.
وَحِينَئِذٍ فَالْعُمُومُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مُطْلَقٌ، وَبِالْحَمْلِ عَلَيْهِ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ وَجِيهًا فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ.
هَذَا مَعَ أَنَّ شَيْخَنَا صَرَّحَ بِأَنَّ جَوَابَ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ مَا قَالَهُ أَيْضًا - كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ عِنْدَ تَعْرِيفِ الْخَطَّابِيِّ - أَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَلِذَا مَشَى فِي تَوْضِيحِ النُّخْبَةِ عَلَى ثَانِي الْأَجْوِبَةِ، إِذَا لَمْ يَحْصُلِ التَّفَرُّدُ.
وَذَكَرَ آخَرَ عِنْدَ التَّفَرُّدِ أَصْلُهُ لِابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ، وَعِبَارَتُهُ: وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَرَدُّدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي حَالِ نَاقِلِهِ اقْتَضَى لِلْمُجْتَهِدِ أَلَّا يَصِفَهُ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ، فَيُقَالُ فِيهِ: " حَسَنٌ " بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ عِنْدَ قَوْمٍ، " صَحِيحٌ " بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ حَذَفَ حَرْفَ التَّرَدُّدِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ، وَهَذَا كَمَا حَذَفَ حَرْفَ الْعَطْفِ، يَعْنِي مِنَ الْآخَرِ.
وَعَلَى هَذَا فَمَا قِيلَ فِيهِ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، دُونَ مَا قِيلَ فِيهِ: " صَحِيحٌ " ; لِأَنَّ الْجَزْمَ أَقْوَى مِنَ التَّرَدُّدِ، وَهَذَا حَيْثُ التَّفَرُّدِ، وَإِلَّا فَإِطْلَاقُ الْوَصْفَيْنِ مَعًا عَلَى الْحَدِيثِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ إِسْنَادَيْنِ: أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ، وَالْآخَرُ حَسَنٌ.
وَعَلَى هَذَا فَمَا قِيلَ فِيهِ: حَسَنٌ صَحِيحٌ فَوْقَ مَا قِيلَ فِيهِ: " صَحِيحٌ " فَقَطْ، إِذَا كَانَ فَرْدًا ; لِأَنَّ كَثْرَةَ الطُّرُقِ تُقَوِّيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute