للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِبَّانَ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ مَنْدَهْ. بَلْ هُوَ آخِرُ الْمِائَةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ كَمَا صَحَّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ( «أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» ) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي السَّمَرِ فِي الْخَبَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ، فِي السَّمَرِ أَيْضًا مِنَ الْعِلْمِ، وَبِهِ تَمَسَّكَ هُوَ وَغَيْرُهُ لِلْقَوْلِ بِمَوْتِ الْخَضِرِ.

لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ. وَأَجَابُوا عَنْهُ أَنَّ الْخَضِرَ كَانَ حِينَئِذٍ مِنْ سَاكِنِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْعُمُومِ. قَالُوا: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَبْقَى مِمَّنْ تَرَوْنَهُ أَوْ تَعْرِفُونَهُ، فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. وَقَالُوا أَيْضًا: خَرَجَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا ; لِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ لَا فِي الْأَرْضِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ غَيْرُ هَذَا الْمَحَلِّ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي (الدَّلَائِلِ) هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْكَوَائِنِ بَعْدَهُ، فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي (الْمَعَارِفِ) ، وَابْنُ دُرَيْدٍ فِي الِاشْتِقَاقِ مَنْ أَنَّ عِكْرَاشَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، أَحَدَ الْمَعْدُودِينَ فِي الصَّحَابَةِ، شَهِدَ الْجَمَلَ مَعَ عَائِشَةَ، فَقَالَ الْأَحْنَفُ: كَأَنَّكُمْ بِهِ وَقَدْ أُتِيَ بِهِ قَتِيلًا أَوْ بِهِ جِرَاحَةٌ لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى يَمُوتَ، قَالَ: فَضُرِبَ ضَرْبَةً عَلَى أَنْفِهِ عَاشَ بَعْدَهَا مِائَةَ سَنَةٍ، أَوْ أَثَرُ الضَّرْبَةِ بِهِ. فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إِنْ صَحَّتْ مَعَ انْقِطَاعِهَا حُمِلَتْ عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلَ الْمِائَةَ مِنْ عُمُرِهِ، لَا أَنَّهُ اسْتَأْنَفَهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَإِلَّا لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَاشَ إِلَى دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ مُحَالٌ ; إِذِ الْمُحَدِّثُونَ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا. وَسَبَقَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>