قُبَيْلَ الْمُرْسَلِ، فِيمَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَفِيفٍ الشِّيرَازِيُّ. وَالْمُرَادُ غَالِبُهُمْ، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَصْرِيِّ قَاضِيهَا أَنَّهُ فَضَّلَ عَلَيْهِ حَفْصَةَ ابْنَةَ سِيرِينَ. (وَ) فَضَّلَ (الْقَرَنِي) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ ثُمَّ نُونٍ وَيَاءِ نِسْبَةٍ سَاكِنَةٍ (أُوَيْسًا اهْلُ الْكُوفَةِ) فِيمَا قَالَهُ ابْنُ خَفِيفٍ أَيْضًا. وَكَلَامُ ابْنِ كَثِيرٍ يَقْتَضِي أَنَّ جُمْهُورَهُمْ فَضَّلَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ النَّخَعِيَّيْنِ. وَفَضَّلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فِيمَا قَالَهُ ابْنُ خَفِيفٍ أَيْضًا، وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكُلٌّ اجْتَهَدَ فَجَزَمَ بِمَا ظَنَّهُ. وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ الصَّلَاحِ حِكَايَةَ ابْنِ خَفِيفٍ فِي (التَّفْصِيلِ) ، وَصَوَّبَ الْمُصَنِّفُ الْقَائِلِينَ بِأُوَيْسٍ بِحَدِيثِ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ( «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ» ) . وَقَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ. وَتَفْضِيلُ أَحْمَدَ لِابْنِ الْمُسَيَّبِ لَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَفْضَلِيَّةَ فِي الْعِلْمِ، لَا الْخَيْرِيَّةَ ; فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ شُيُوخٍ الْخَطَّابِيِّ فِيمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ، يَعْنِي كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي الصَّحَابَةِ. وَبِهَذَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) ، فَقَالَ: مُرَادُهُمْ أَنَّ سَعِيدًا أَفْضَلُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ ; كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهَا، لَا فِي الْخَيْرِيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لَعَلَّ أَحْمَدَ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ، أَوْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ، فَلَا يَحْسُنُ ; فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْهَا بِلَفْظِ: ( «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ» ) . لَكِنْ قَدْ أَخْرَجَهُ فِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا بِلَفْظِ: ( «إِنَّ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ» . . .) ، فَقَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: نَادَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَوْمَ صِفِّينَ: أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . وَذَكَرَهُ. وَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ شَرِيكٍ، فَزَالَ الْحَصْرُ.
فَهَذِهِ أَقْوَالُهُمْ فِي أَفْضَلِ الرِّجَالِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَيْسَ الْخَوْضُ فِي ذَلِكَ بِمُمْتَنِعٍ ;
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute