يَعْنِي لِكَوْنِ قَائِلِهِ لَحَظَ فِيهِ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَّصِلِ وَالْمَرْفُوعِ، مِنْ حَيْثِيَّةِ أَنَّ الْمَرْفُوعَ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى حَالِ الْمَتْنِ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْإِسْنَادِ اتَّصَلَ أَمْ لَا، وَالْمُتَّصِلَ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى حَالِ الْإِسْنَادِ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْمَتْنِ مَرْفُوعًا كَانَ أَوْ مَوْقُوفًا، وَالْمُسْنَدَ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى الْحَالَيْنِ مَعًا، فَيَجْمَعُ شَرْطَيِ الِاتِّصَالِ وَالرَّفْعِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنَ الرَّفْعِ وَالِاتِّصَالِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَكُلُّ مُسْنَدٍ مَرْفُوعٌ، وَكُلُّ مُسْنَدٍ مُتَّصِلٌ، وَلَا عَكْسَ فِيهِمَا.
هَذَا مَعَ أَنَّ شَيْخَنَا قَالَ مَا نَصُّهُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَتَصَرُّفِهِمْ أَنَّ الْمُسْنَدَ هُوَ مَا أَضَافَهُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ بِسَنَدٍ ظَاهِرُهُ الِاتِّصَالُ.
قَالَ: فَـ " مَنْ سَمِعَ " أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحَابِيًّا، أَوْ تَحَمَّلَ فِي كُفْرِهِ وَأَسْلَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنَّهُ يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ ; كَالْمُرْسَلِ، وَالْمُعْضَلِ.
وَ " بِسَنَدٍ " يُخْرِجُ مَا كَانَ بِلَا سَنَدٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُعَلَّقِ.
وَ " ظُهُورُ الِاتِّصَالِ " يُخْرِجُ الْمُنْقَطِعَ، لَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ الِانْقِطَاعُ الْخَفِيُّ كَعَنْعَنَةِ الْمُدَلِّسِ، وَالنَّوْعُ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ الْخَفِيِّ، وَنَحْوُهُمَا مِمَّا ظَاهِرُهُ الِاتِّصَالُ، وَقَدْ يُفَتَّشُ فَيُوجَدُ مُنْقَطِعًا.
وَاسْتَشْهَدَ لِلْأَخِيرِ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَاكِمِ: الْمُسْنَدُ مَا رَوَاهُ الْمُحَدِّثُ عَنْ شَيْخٍ يَظْهَرُ سَمَاعُهُ مِنْهُ لَيْسَ يَحْتَمِلُهُ، وَكَذَلِكَ سَمَاعُ شَيْخِهِ مِنْ شَيْخِهِ مُتَّصِلًا إِلَى صَحَابِيٍّ مَشْهُورٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ نَظَرٌ.
فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: " لَيْسَ يَحْتَمِلُهُ " يُخْرِجُ عَنْعَنَةَ الْمُدَلِّسِ، خُصُوصًا وَقَدْ صَرَّحَ الْحَاكِمُ بَعْدُ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّدْلِيسِ فِي رُوَاتِهِ.
وَلَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَسَانِيدِ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَا يَتَحَامَوْنَ فِيهَا تَخْرِيجَ مُعَنْعَنَاتِ الْمُدَلِّسِينَ، وَلَا أَحَادِيثَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، بَلْ عِبَارَةُ الْخَطِيبِ: " وَاتِّصَالُ الْإِسْنَادِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رُوَاتِهِ سَمِعَهُ مِمَّنْ فَوْقَهُ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَنْعَنَةِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute