وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ ثُمَّ الْخَطِيبُ مُرَتِّبًا لَهُ عَلَى الْحُرُوفِ فِي الْمُبْهَمِ ثُمَّ ابْنُ بَشْكُوالَ فِي الْغَوَامِضِ وَالْمُبْهَمَاتِ بِدُونِ تَرْتِيبٍ، وَهُوَ أَجْمَعُهَا، وَقَدِ اخْتَصَرَ النَّوَوِيُّ كِتَابَ الْخَطِيبِ مَعَ نَفَائِسَ ضَمَّهَا إِلَيْهِ مُهَذِّبًا مُحَسِّنًا، لَا سِيَّمَا فِي تَرْتِيبِهِ عَلَى الْحُرُوفِ فِي رَاوِي الْخَبَرِ مِمَّا سَهُلَ بِهِ الْكَشْفُ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِهِ، وَسَمَّاهُ الْإِشَارَاتِ إِلَى الْمُبْهَمَاتِ، وَاخْتَصَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ السَّرَّاجِ بْنِ الْمُلَقِّنِ وَالْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ كِتَابَ ابْنِ بَشْكُوالَ بِحَذْفِ الْأَسَانِيدِ، وَأَتَى أَوَّلُهُمَا فِيهِ بِزِيَادَاتٍ.
وَكَذَا صَنَّفَ فِيهِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ، وَاعْتَنَى ابْنُ الْأَثِيرِ فِي أَوَاخِرَ كِتَابِهِ (جَامِعِ الْأُصُولِ) بِتَحْرِيرِهَا، وَكَذَا أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَلْقِيحِهِ مِنْهَا جُمْلَةً، وَلِلْقُطْبِ الْقَسْطَلَّانِيِّ (الْإِيضَاحُ عَنِ الْمُعْجَمِ مِنَ الْغَامِضِ وَالْمُبْهَمِ) وَلِلْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ (الْمُسْتَفَادُ مِنْ مُبْهَمَاتِ الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ) ، وَرَتَّبَهُ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَاعْتَنَى شَيْخُنَا بِذَلِكَ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَأَرْبَى فِيهِ عَلَى مَنْ سَبَقَهُ، بِحَيْثُ كَانَ مُعَوَّلُ الْقَاضِي جَلَالِ الدِّينِ الْبُلْقِينِيِّ فِي تَصْنِيفِهِ الْمُفْرَدِ فِي ذَلِكَ، عَلَيْهِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: (لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ) . إِلَى أَنْ خَرَجَ حَاجًّا، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ قَالَ: هُمَا حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ.
وَيُعْرَفُ تَعْيِينُ الْمُبْهَمِ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى مُصَرِّحَةٍ بِهِ أَوْ بِالتَّنْصِيصِ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَنَحْوِهِمْ إِنِ اتَّفَقَتِ الطَّرْقُ عَلَى الْإِبْهَامِ، وَرُبَّمَا اسْتُدِلَّ لَهُ بِوُرُودِ تِلْكَ الْقِصَّةِ الْمُبْهَمِ صَاحِبُهَا لِمُعَيَّنٍ مَعَ احْتِمَالِ تَعَدُّدِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَعْدُ، وَأَمْثِلَتُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ كَثِيرَةٌ.
فَفِي الْمَتْنِ (كَامْرَأَةٍ) سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا (فِي الْحَيْضِ) فَقَالَ لَهَا: (خُذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute