وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَعَمْرٍو وَأُسَامَةَ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمَا، وَصَارَ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَدِلَّةِ فِي وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ، فَطُرُوقُ الِاحْتِمَالِ فِيهِ بَعِيدٌ جِدًّا.
وَمَا قِيلَ فِي بِلَالٍ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، فَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ لِعُمَرَ، [نَعَمْ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ; أَنَّ بِلَالًا لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: تَكُونُ عِنْدِي، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِنَفْسِكَ فَاحْبِسْنِي، وَإِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ فَذَرْنِي، فَذَهَبَ إِلَى الشَّامِ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهُوَ] مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ: لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى مَرَّةٍ لِعُمَرَ حِينَ دَخَلَ الشَّامَ، فَبَكَى النَّاسُ بُكَاءً شَدِيدًا.
وَمِنْ أَدِلَّةِ الْأَكْثَرِينَ سِوَى مَا تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ; «أَنَّ الْحَجَّاجَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَيْفَ نَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: وَهَلْ يَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ» . انْتَهَى.
وَكُلُّ مَا سَلَفَ فِيمَا إِذَا لَمْ يُضِفِ السُّنَّةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَوْ أَضَافَهَا - كَقَوْلِ عُمَرَ لِلصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ السَّابِقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute