حَسَنًا.
وَكَانَ لِخِيَارِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ بِأَهْلِهِ أَتَمُّ اعْتِنَاءٍ، حَتَّى إِنَّ الْأَمِيرَ سَنْجَرَ الدَّوَادَارِيَّ سَأَلَ الدِّمْيَاطِيَّ وَنَاهِيَكَ بِجَلَالَتِهِ عَنْ سَنَةِ وَفَاةِ الْبُخَارِيِّ، فَلَمْ تَتَّفِقْ لَهُ الْمُبَادَرَةُ لِاسْتِحْضَارِهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَبَادَرَ لِذِكْرِهَا فَحَظِيَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ جِدًّا، وَزَادَ فِي إِكْرَامِهِ وَتَقْرِيبِهِ.
وَفُنُونُهُ مُتَشَعِّبَةٌ جِدًّا، وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ مِنْهَا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ لِلتَّفَرُّجِ ; وَلِذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي (الْإِحْيَاءِ) ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنَ (الرَّوْضَةِ) : الْكِتَابُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِثَلَاثَةِ أَغْرَاضٍ: التَّعْلِيمِ وَالتَّفَرُّجِ بِالْمُطَالَعَةِ، وَالِاسْتِفَادَةِ.
فَالتَّفَرُّجُ لَا يُعَدُّ حَاجَةً ; كَاقْتِنَاءِ كُتُبِ الشِّعْرِ وَالتَّوَارِيخِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا فِي الدُّنْيَا، فَهَذَا يُبَاعُ فِي الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَيَمْنَعُ اسْمَ الْمَسْكَنَةِ. انْتَهَى.
وَصَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْإِحْيَاءِ بِكَوْنِ ذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ الْمُبَاحِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْمُبَاحُ مِنْهُ فَالْعِلْمُ بِالْأَشْعَارِ الَّتِي لَا سَخْفَ فِيهَا، وَتَوَارِيخُ الْأَخْبَارِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَوَلِعَ بَعْضُ الْفُسَّاقِ بِهَذَا الْكَلَامِ فِي ذَمِّ مُطْلَقِ التَّارِيخِ فَأَخْطَأَ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْوُقُوفِ عَلَى اتِّصَالِ الْخَبَرِ وَشِبْهِهِ.
وَقَدْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِيمَا قَرَأْتُهُ بِخَطِّهِ: فُنُونُ التَّوَارِيخِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي تَأْرِيخَيِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ، وَسَرَدَهَا فَكَانَتْ أَمْرًا عَجَبًا، وَلَمْ أَنْهَضْ لَهُ، وَلَوْ عَمِلْتُهُ لَجَاءَ فِي سِتِّمِائَةِ مُجَلَّدٍ. وَلِذَا قَالَ مُغْلَطَايُ كَمَا قَرَأْتُهُ بِخَطِّهِ أَيْضًا: إِنَّ شَخْصًا وَاحِدًا حَازَ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ تَصْنِيفٍ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْوَفَيَاتِ بِخُصُوصِهَا كِتَابٌ مُسْتَوْفًى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ مُؤَلِّفُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَأَنَّهُ رَامَ جَمْعَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا: رَتِّبْهُ عَلَى الْحُرُوفِ بَعْدَ أَنْ تُرَتِّبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute