أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَفُرْسَانِ قَوْمِهِ الْمَعْدُودِينَ بِمِصْرَ، وَكَوْنُهُ عَابِدًا قَانِتًا لِلَّهِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ، لَكِنَّهُ بِفَتْقِهِ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا الْفَتْقَ الْعَظِيمَ الَّذِي زَعَمَ بِهِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى خُتِمَ لَهُ بِشَرٍّ، وَهُوَ (ذُو الشَّقَاءِ الْأَزَلِي) أَيِ: الْقَدِيمِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ، بَلْ هُوَ أَشْقَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ عَنِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِقَوْلِهِ مُخَاطِبًا لِعَلِيٍّ: ( «أَشْقَى النَّاسِ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذَا، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى تُخَضَّبَ هَذِهِ» ) . يَعْنِي لِحْيَتَهُ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ صُهَيْبٍ، بَلْ يُرْوَى أَنَّهُ حِينَ دَعَا عَلِيٌّ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ لِيُبَايِعَ ; فَرَدَّهُ عَلِيٌّ، ثُمَّ جَاءَ فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَبَايَعَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا يُحْبَسُ أَشْقَاهَا، أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُخَضِّبَنَّ هَذِهِ. وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ مِنْ هَذِهِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ قَتْلُهُ مِنَ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ، فَقِيلَ: لِإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ. حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ: فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ، وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَلَامَهُ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَمَاتَ غَدَاةَ الْيَوْمِ، وَبِهِ جَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي (الْعِبَرِ) .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: ضُرِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَلَاثَ عَشَرَةَ بَقِيَتْ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ وَالشَّعْبِيُّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنَّهُ ضُرِبَ لِثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ، وَقُبِضَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ. وَقَالَ الْفَلَّاسُ: لِإِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: قُتِلَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَقِيَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَمَاتَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ. وَقِيلَ: مَاتَ يَوْمِ الْأَحَدِ. وَشَذَّ ابْنُ زَبْرٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قُتِلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعِ عَشَرَةٍ مَضَتْ مِنْهُ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ ; وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: إِنَّهُ وَهِمَ لَمْ أَرَ مَنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ. وَكَذَا اخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ دَفْنِهِ فَقِيلَ: فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ أَوْ فِي رَحْبَةَ الْكُوفَةِ أَوْ بِنَجَفِ الْحِيرَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَجَزَمَ الصَّغَانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ قُتِلَ بِالْكُوفَةِ، وَدُفِنَ عِنْدَ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ بَابِ كِنْدَةَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute