يَثْرِبَ فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَابَةَ» ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الرَّاوِيَتَيْنِ، وَهُمَا تَأْنِيثُ طِيبٍ وَطَابٍ، لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَاشْتِقَاقُهُمَا إِمَّا مِنَ الطِّيبِ الَّذِي هُوَ الرَّائِحَةُ الْحَسَنَةُ لِمَا يُشَاهَدُ مِنْ طِيبِ تُرْبَتِهَا وَحِيطَانِهَا وَهَوَائِهَا ; وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَفِي طِيبِ تُرَابِهَا وَهَوَائِهَا دَلِيلٌ شَاهِدٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ; لِأَنَّ مَنْ أَدَامَ بِهَا يَجِدُ مِنْ تُرْبَتِهَا وَحِيطَانِهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً، لَا تَكَادُ تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، زَادَ غَيْرُهُ: أَوْ لِطِيبِهَا لِسَاكِنِهَا أَوْ لِطِيبِ الْعَيْشِ بِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا بِهَا مِنْ تُرَابٍ وَجُدُرٍ وَعَيْشٍ وَمَنْزِلٍ وَسَائِرِ مَا يُضَافُ إِلَيْهَا طِيبٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَلِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَرُّ الْقَائِلِ:
إِذَا لَمْ تَطِبْ فِي طِيبَةَ عِنْدَ طَيِّبٍ ... بِهِ طِيبَةٌ طَابَتْ فَأَيْنَ تَطِيبُ
أَوْ مِنَ الطَّيِّبِ بِالتَّشْدِيدِ، الطَّاهِرُ بِالْمُهْمَلَةِ لِخُلُوصِهَا مِنَ الشِّرْكِ وَطَهَارَتِهَا (الْمَيْمُونَهْ) يَعْنِي الْمُبَارَكَةَ بِدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِالْبَرَكَةِ، حَتَّى كَانَ مِنْ جُمْلَتِهَا - مِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ - مَا يَحْمِلُهُ الْحَجِيجُ خُصُوصًا زَمَنَ الْمَوْسِمِ مِنْ تَمْرِهَا إِلَى جَمِيعِ الْآفَاقِ، بِحَيْثُ يَفُوقُ غَلَّاتِ الْأَمْصَارِ، وَيَفْضُلُ لِأَهْلِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَقُومُ بِهِمْ قُوتًا وَبَيْعًا وَإِهْدَاءً إِلَى زَمَنِ التَّمْرِ وَزِيَادَةً.
(فَبَرَزَتْ) أَيْ: خَرَجَتِ الْمَنْظُومَةُ إِلَى النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ (مِنْ خِدْرِهَا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُهْمَلَتَيْنِ، أَوَّلُهُمَا سَاكِنَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ، أَيْ: سِتْرِهَا، (مَصُونَهْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، لَمْ تَزَلْ صِيَانَتُهَا بِبُرُوزِهَا، وَكَذَا بَرَزَ شَرْحُ النَّاظِمِ عَلَيْهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ تَصْنِيفِهِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ تَاسِعَ عَشَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِالْخَانْقَاهْ الطّشْتمرِيَّةِ خَارِجَ الْقَاهِرَةِ، وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهِمَا، وَسَارًّا لِأَكْثَرِ الْأَقْطَارِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ وَافٍ بِتَمَامِ الْغَرَضِ كَمَا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهِ لِشَارِحِي تَصَانِيفِهِمْ غَالِبًا، وَذَلِكَ غَيْرُ خَادِشٍ فِي جَلَالَتِهِ وَاخْتَصَرَهُ مَعَ ذَلِكَ الشَّمْسُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute