للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَدَّ اتِّقَاءً، فَإِذَا لَقِيتَ صَاحِبَكَ، فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ كَذَبَ.

قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ سُلَيْمَانَ عِنْدَ أَبِي مِجْلَزٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّمَا حَدَّثَنِيهِ مُؤَذِّنٌ لَنَا، وَلَمْ أَظُنَّهُ يَكْذِبُ. فَإِنَّ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ فِيهِمَا رَدٌّ أَيْضًا عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَرَاسِيلَ لَمْ تَزَلْ مَقْبُولَةً مَعْمُولًا بِهَا.

وَمِثْلُ هَذِهِ حَدِيثُ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا لَا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ، حَتَّى وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بَعْدُ، وَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ شَيْخًا مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُ بَعْدَمَا تَابَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا إِذَا هَوِينَا أَمْرًا، صَيَّرْنَاهُ حَدِيثًا. انْتَهَى.

وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّ هَذِهِ وَاللَّهِ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ لِلْمُحْتَجِّينَ بِالْمُرْسَلِ ; إِذْ بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ كَانَتْ فِي مَبْدَأِ الْإِسْلَامِ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، ثُمَّ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ كَانُوا إِذَا اسْتَحْسَنُوا أَمْرًا، جَعَلُوهُ حَدِيثًا وَأَشَاعُوهُ، فَرُبَّمَا سَمِعَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فَحَدَّثَ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ ; تَحْسِينًا لِلظَّنِّ، فَيَحْمِلُهُ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَيَجِيءُ الَّذِي يَحْتَجُّ بِالْمَقَاطِيعِ، فَيَحْتَجُّ بِهِ مَعَ كَوْنِ أَصْلِهِ مَا ذَكَرْتُ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

وَأَمَّا الْإِلْزَامُ بِتَعَالِيقِ الْبُخَارِيِّ، فَهُوَ قَدْ عُلِمَ شَرْطُهُ فِي الرِّجَالِ، وَتَقَيُّدُهُ بِالصِّحَّةِ، بِخِلَافِ التَّابِعِينَ، وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ، فَالتَّعْدِيلُ الْمُحَقَّقُ فِي الْمُبْهَمِ لَا يَكْفِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي سَادِسِ فُرُوعِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، فَكَيْفَ بِاسْتِرْسَالٍ إِلَى هَذَا الْحَدِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>