مِمَّا هُوَ فِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَعَ إِصَابَتِهِ فِي أَكْثَرِ مَا عِنْدَهُ تَوَسُّعٌ مُنْكَرٌ، يَنْشَأُ عَنْهُ غَايَةُ الضَّرَرِ مِنْ ظَنِّ مَا لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ مَوْضُوعًا، مِمَّا قَدْ يُقَلِّدُهُ فِيهِ الْعَارِفُ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ ; حَيْثُ لَمْ يَبْحَثْ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ.
وَلِذَا انْتَقَدَ الْعُلَمَاءُ صَنِيعَهُ إِجْمَالًا، وَالْمُوقِعُ لَهُ فِيهِ إِسْنَادُهُ فِي غَالِبِهِ بِضَعْفِ رَاوِيهِ الَّذِي رُمِيَ بِالْكَذِبِ مَثَلًا، غَافِلًا عَنْ مَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَرُبَّمَا يَكُونُ اعْتِمَادُهُ فِي التَّفَرُّدِ قَوْلَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَكُونُ كَلَامُهُ فِيهِ مَحْمُولًا عَلَى النِّسْبِيِّ، هَذَا مَعَ أَنَّ مُجَرَّدَ تَفَرُّدِ الْكَذَّابِ بَلِ الْوَضَّاعِ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الِاسْتِقْصَاءِ فِي التَّفْتِيشِ مِنْ حَافِظٍ مُتَبَحِّرٍ تَامِّ الِاسْتِقْرَاءِ - غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنَ انْضِمَامِ شَيْءٍ مِمَّا سَيَأْتِي.
وَلِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ عَسِيرًا جِدًّا، وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ، بِخِلَافِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ مَنَحَهُمُ اللَّهُ التَّبَحُّرَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالتَّوَسُّعَ فِي حِفْظِهِ ; كَشُعْبَةَ وَالْقَطَّانِ، وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَنَحْوِهِمْ، وَأَصْحَابِهِمْ مِثْلِ أَحْمَدَ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ رَاهَوَيْهِ، وَطَائِفَةٍ، ثُمَّ أَصْحَابِهِمْ مِثْلِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ.
وَهَكَذَا إِلَى زَمَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَلَمْ يَجِئْ بَعْدَهُمْ مُسَاوٍ لَهُمْ، وَلَا مُقَارِبٌ. أَفَادَهُ الْعَلَائِيُّ، وَقَالَ: (فَمَتَى وَجَدْنَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الْحُكْمَ بِهِ، كَانَ مُعْتَمَدًا ; لِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْحِفْظِ الْغَزِيرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْهُمْ، عُدِلَ إِلَى التَّرْجِيحِ) . انْتَهَى.
وَفِي جَزْمِهِ بِاعْتِمَادِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا حَكَمُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ تَوَقُّفٌ، ثُمَّ إِنَّ مِنَ الْعَجَبِ إِيرَادَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ (الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ) كَثِيرًا مِمَّا أَوْرَدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute