(وَصُحِّحَ اكْتِفَاؤُهُمْ) أَيْ: أَئِمَّةُ الْأَثَرِ فِيهَا (بِ) قَوْلِ الْعَدْلِ (الْوَاحِدِ جَرْحًا وَتَعْدِيلًا) أَيْ: مِنْ جِهَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (خِلَافَ) أَيْ: بِخِلَافِ (الشَّاهِدِ) ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهِ فِيهِ بِدُونِ اثْنَيْنِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُزَكِّي لِلرَّاوِي نَاقِلًا عَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ، أَوْ كَانَ اجْتِهَادًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ، وَفِي الْحَالَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ضَيِّقٌ: الْأَمْرُ فِي الشَّهَادَةِ ; لِكَوْنِهَا فِي الْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ التَّرَافُعُ فِيهَا، وَهِيَ مَحَلُّ الْأَغْرَاضِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ ; فَإِنَّهَا فِي شَيْءٍ عَامٍّ لِلنَّاسِ غَالِبًا لَا تَرَافُعَ فِيهِ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: " الْغَالِبُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَهَابَةُ الْكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الزُّورِ "، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَرِدُ بِالْحَدِيثِ وَاحِدٌ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ لَفَاتَتِ الْمَصْلَحَةُ، بِخِلَافِ فَوَاتِ حَقٍّ وَاحِدٍ فِي الْمُحَاكَمَاتِ ; وَلِأَنَّ بَيْنَ النَّاسِ إِحَنًا وَعَدَاوَاتٍ تَحْمِلُهُمْ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ اثْنَيْنِ فِي الرِّوَايَةِ أَيْضًا، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ صِفَةٌ، فَتَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِهَا إِلَى عَدْلَيْنِ كَالرُّشْدِ وَالْكَفَاءَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَقِياسًا عَلَى الشَّاهِدِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، بَلْ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَإِلَّا فَأَبُو عُبَيْدٍ لَا يَقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مَتَمَسِّكًا بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ: (( «حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا فَيَشْهَدُونَ لَهُ» )) . قَالَ: وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute