بِأَنَّ ذَلِكَ جُعِلَ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا بَلِيغًا عَنِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهِ ; فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بِخِلَافِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ، وَالشَّهَادَةِ فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُمَا قَاصِرَةٌ لَيْسَتْ عَامَّةً.
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ فِي هَذَا، أَيِ: الْكَذِبُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَبُولُ رِوَايَاتِهِ بَعْدَهَا إِذَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ.
قَالَ: فَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ فِي هَذَا.
وَكَذَا قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ غَيْرِنَا - انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا إِذَا كَانَ كَذِبُهُ فِي وَضْعِ حَدِيثٍ، وَحُمِلَ عَنْهُ وَدُوِّنَ: إِنَّ الْإِثْمَ غَيْرُ مُنْفَكٍّ عَنْهُ، بَلْ هُوَ لَاحِقٌ لَهُ أَبَدًا، فَإِنَّ مَنْ سَنَّ سَيِّئَةً عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالتَّوْبَةُ حِينَئِذٍ مُتَعَذِّرَةٌ ظَاهِرًا، وَإِنْ وُجِدَ مُجَرَّدُ اسْمِهَا، وَلَا يُسْتَشْكَلُ بِقَبُولِهَا مِمَّنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَارُكَ بِرَدٍّ أَوْ مَحَالَةٍ، فَالْأَمْوَالُ الضَّائِعَةُ لَهَا مَرَدٌّ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَالِ، وَالْأَعْرَاضُ قَدِ انْقَطَعَ تَجَدُّدُ الْإِثْمِ بِسَبَبِهَا فَافْتَرَقَا.
وَأَيْضًا فَعَدَمُ قَبُولِ تَوْبَةِ الظَّالِمِ رُبَّمَا يَكُونُ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الِاسْتِرْسَالِ وَالتَّمَادِي فِي غَيِّهِ، فَيَزْدَادُ الضَّرَرُ بِهِ، بِخِلَافِ الرَّاوِي ; فَإِنَّهُ لَوِ اتَّفَقَ اسْتِرْسَالُهُ أَيْضًا وَوَسْمُهُ بِالْكَذِبِ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ مُتَجَدِّدَاتِهِ، بَلْ قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْكَذِبِ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْصُلُ لَنَا ثِقَةٌ بِقَوْلِهِ: إِنِّي تُبْتُ، يَعْنِي كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي الْمُعْتَرِفِ بِالْوَضْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute