للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ حِينَ سُئِلَ عَمَّنْ يَأْخُذُ عَلَى الْحَدِيثِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ فَإِنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَيُكْتَبُ عَمَّنْ يَبِيعُ الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَا كَرَامَةَ. فَأَطْلَقَ أَبُو حَاتِمٍ جَوَابَ الْأَخْذِ الشَّامِلِ الْإِجَارَةَ وَالْجُعَالَةَ وَالْهِبَةَ وَالْهَدِيَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجُعَالَةِ ; لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ أَفْحَشَ.

وَقَدْ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: لَمْ يَبْقَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ إِلَّا الْحَدِيثَ وَالْقَضَاءَ، وَقَدْ فَسَدَا جَمِيعًا، الْقُضَاةُ يَرْشُونَ حَتَّى يُوَلَّوْا، وَالْمُحَدِّثُونَ يَأْخُذُونَ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّرَاهِمَ.

(وَهْوَ) أَيْ: أَخْذُ الْأُجْرَةِ (شَبِيهُ أُجْرَةِ) مُعَلِّمِ (الْقُرْآنِ) وَنَحْوِهِ ; كَالتَّدْرِيسِ، يَعْنِي فِي الْجَوَازِ، إِلَّا أَنَّهُ هُنَاكَ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِالْأَخْذِ فِيهِ، [وَهُوَ هُنَا فِي الْعُرْفِ] (يَخْرِمُ) أَيْ: يُنْقِصُ (مِنْ مُرُوءَةِ الْإِنْسَانِ) الْفَاعِلِ لَهُ ; لِكَوْنِهِ شَاعَ بَيْنَ أَهْلِهِ التَّخَلُّقُ بِعُلُوِّ الْهِمَمِ، وَطَهَارَةِ الشِّيَمِ، وَتَنْزِيهِ الْعِرْضِ عَنْ مَدِّ الْعَيْنِ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْعَرَضِ.

قَالَ الْخَطِيبُ: وَإِنَّمَا مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ تَنْزِيهًا لِلرَّاوِي عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ ; فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ كَانَ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ عُثِرَ عَلَى تَزَيُّدِهِ وَادِّعَائِهِ مَا لَمْ يَسْمَعْ لِأَجْلِ مَا كَانَ يُعْطَى، وَمِنْ هُنَا بَالَغَ شُعْبَةُ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ وَقَالَ: لَا تَكْتُبُوا عَنِ الْفُقَرَاءِ شَيْئًا ; فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ، وَلِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْأَخْذِ مَنِ امْتَنَعَ، بَلْ تَوَرَّعَ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ عَنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَالْهِبَةِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ: لَمَّا جَلَسَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لِلْحَدِيثِ أُهْدِيَ لَهُ، فَرَدَّهُ وَقَالَ: إِنَّ مَنْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَلَاقٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>