للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْكِتَابِ عَلَى هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا حَمَلَ الْخَطِيبُ قَوْلَ مَالِكٍ: لَا أَرَاهَا، عَلَى الْكَرَاهَةِ أَيْضًا ; لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنَ التَّصْرِيحِ بِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِأَحَادِيثِ الْإِجَازَةِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْحَافِظُ: إِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُمَا - أَعْنِي مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ - أَقْوَالٌ مُتَعَارِضَةٌ بِظَاهِرِهَا، وَالصَّحِيحُ تَأْوِيلُهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا، وَأَنَّ مَذْهَبَهُمَا الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا - انْتَهَى.

وَحِينَئِذٍ فَالْكَرَاهَةُ إِمَّا لِخَشْيَةِ الِاسْتِرْوَاحِ بِهَا، بِحَيْثُ يُتْرَكُ السَّمَاعُ وَكَذَا الرِّحْلَةُ بِسَبَبِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُعْبَةُ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَقَدْ رَدَّهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِاقْتِصَارِ الطَّالِبِ عَلَيْهَا، بِحَيْثُ لَا يَسْعَى وَلَا يَرْحَلُ، بَلْ نَقُولُ بِهَا لِمَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ قُصُورِ نَفَقَةٍ، أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ، أَوْ صُعُوبَةِ مَسْلَكٍ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، يَعْنِي مِمَّنْ قَالَ بِهَا، لَا زَالُوا يَتَجَشَّمُونَ الْمَصَاعِبَ، وَيَرْكَبُونَ الْأَهْوَالَ فِي الِارْتِحَالِ أَخْذًا بِمَا حَثَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُقْعِدْهُمُ اعْتِمَادُهَا عَنْ ذَلِكَ. وَكَلَامُ السِّلَفِيِّ الْمَاضِي يُسَاعِدُهُ.

وَنَحْوُهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّهَا مُلَازِمَةٌ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ لِبَقَاءِ الرِّحْلَةِ مِنْ جِهَةِ تَحْصِيلِ الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مِنَ الْإِجَازَةِ فِي التَّحَمُّلِ. نَعَمْ، قَدْ زَادَ الرُّكُونُ الْآنَ إِلَيْهَا، وَكَادَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ بِالسَّمَاعِ وَنَحْوِهِ الْكَثِيرُ مِنَ الْأُصُولِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا ; لِعَدَمِ تَمْيِيزِ السَّامِعِ مِنَ الْمُجَازِ، أَوْ لِلْخَوْفِ مِنَ النِّسْبَةِ لِلتَّعْجِيزِ ; حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلرِّوَايَةِ قَدْ حَازَ، بَلْ قَدْ تُوُسِّعَ فِي الْإِذْنِ لِمَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ بِالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ، وَاسْتُدْرِجَ لِلْخَوْضِ فِي ذَلِكَ الْإِيهَامُ وَالتَّلْبِيسُ، وَكَثُرَ الْمُتَسَمَّوْنَ بِالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>