للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَغْنَى بِالْإِشَارَةِ إِلَى بَعْضِهَا عَنْ أَمْثِلَةِ الْجَزْمِ ; كَذَكَرَ، وَزَادَ، وَرَوَى، وَقَالَ] وَغَيْرِهَا لِوُضُوحِهِ، حَتَّى نَقَلَ النَّوَوِيُّ اتِّفَاقَ مُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى اعْتِبَارِهِمَا كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِشَيْءٍ ضَعِيفٍ ; لِأَنَّهَا صِيغَةٌ تَقْتَضِي صِحَّتَهُ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُطْلَقَ إِلَّا فِيمَا صَحَّ.

قَالَ: " وَقَدْ أَهْمَلَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَاشْتَدَّ إِنْكَارُ الْبَيْهَقِيِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، وَهُوَ تَسَاهُلٌ قَبِيحٌ جِدًّا مِنْ فَاعِلِهِ ; إِذْ يَقُولُ فِي الصَّحِيحِ: يُذْكَرُ وَيُرْوَى، وَفِي الضَّعِيفِ قَالَ: وَرَوَى، وَهَذَا قَلْبٌ لِلْمَعَانِي، وَحَيْدٌ عَنِ الصَّوَابِ.

قَالَ: وَقَدِ اعْتَنَى الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، بِاعْتِبَارِ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ، وَإِعْطَائِهِمَا حُكْمَهُمَا فِي صَحِيحِهِ ; فَيَقُولُ فِي التَّرْجَمَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضَ كَلَامِهِ بِتَمْرِيضٍ، وَبَعْضَهُ بِجَزْمٍ، وَاعِيًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِتَحَرِّيهِ وَوَرَعِهِ ". انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي التَّنْبِيهَاتِ الَّتِي بِآخِرِ الْمَقْلُوبِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجْزُومَ بِهِ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ ابْتِدَاءً، وَمَا لَعَلَّهُ يَكُونُ كَذَلِكَ مِنَ الْمُمَرَّضِ إِنَّمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا بَعْدَ النَّظَرِ ; لِوُجُودِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ فَافْتَرَقَا، وَإِذَا حَكَمْتَ لِلْمَجْزُومِ بِهِ بِالصِّحَّةِ، فَانْظُرْ فِيمَنْ أُبْرِزَ مِنْ رِجَالِهِ، تَجِدْ مَرَاتِبَهُ مُخْتَلِفَةً ; فَتَارَةً تَلْتَحِقُ بِشَرْطِهِ، وَتَارَةً تَتَقَاعَدُ عَنْ ذَلِكَ.

وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَسَنًا صَالِحًا لِلْحُجَّةِ ; كَالْمُعَلَّقِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، رَفَعَهُ: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» ، فَهُوَ حَسَنٌ مَشْهُورٌ عَنْ بَهْزٍ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، بَلْ وَيَكُونُ صَحِيحًا عِنْدَ غَيْرِهِ.

وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا، لَكِنْ لَا مِنْ جِهَةِ قَدْحٍ فِي رِجَالِهِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ انْقِطَاعٍ يَسِيرٍ فِي إِسْنَادِهِ ; كَالْمُعَلَّقِ عَنْ طَاوُسٍ: قَالَ: قَالَ مُعَاذٌ: فَإِنَّ إِسْنَادَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>