للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتَّصَفَ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ، فَضْلًا عَنْ أَكْثَرَ، كَأَنْ يَكُونَ فَقِيرًا رَحَّالًا، وَأَكْثَرُ الرَّحَّالِينَ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ يَجْتَمِعُ فِي حَالِهِ الصِّفَتَانِ اللَّتَانِ يَقُومُ بِهِمَا الْعُذْرُ فِي تَدْقِيقِ الْخَطِّ، يَعْنِي كَمَا وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رُوزْبَةَ الْفَارِسِيِّ، وَكَانَ يَكْتُبُ خَطًّا دَقِيقًا حَيْثُ قِيلَ لَهُ: لِمَ تَفْعَلُ؟ فَقَالَ: لِقِلَّةِ الْوَرَقِ وَالْوَرِقِ، وَخِفَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُنُقِ.

وَلَكِنْ قَالَ الْخَطِيبُ: بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى خَطًّا دَقِيقًا قَالَ: هَذَا خَطُّ مَنْ لَا يُوقِنَ بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. يُشِيرُ إِلَى أَنَّ دَاعِيَةَ الْحِرْصِ عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْوَرَقِ أَلْجَأَتْهُ لِذَلِكَ ; إِذْ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ لَوَسَّعَ.

[كَرَاهَةُ تَعْلِيقِ الْخَطِّ وَالْمَشْقِ] :

(وَشَرُّهُ) أَيِ: الْخَطِّ (التَّعْلِيقُ) وَهُوَ فِيمَا قِيلَ: خَلْطُ الْحُرُوفِ الَّتِي يَنْبَغِي تَفْرِقَتُهَا، وَإِذْهَابُ أَسْنَانِ مَا يَنْبَغِي إِقَامَةُ أَسْنَانِهِ، وَطَمْسُ مَا يَنْبَغِي إِظْهَارُ بَيَاضِهِ.

(وَ) كَذَا (الْمَشْقُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ، وَهُوَ خِفَّةُ الْيَدِ وَإِرْسَالُهَا مَعَ بَعْثَرَةِ الْحُرُوفِ وَعَدَمِ إِقَامَةِ الْأَسْنَانِ، كَمَا كَانَ شَيْخُنَا يَحْكِي أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يَرَاهُ يَكْتُبُ كَذَلِكَ: تَكْتُبُونَ تَمْشُقُونَ تُضَيِّعُونَ الْكَاغِدَ. فَيَجْتَمِعَانِ فِي عَدَمِ إِقَامَةِ الْأَسْنَانِ، وَيَخْتَصُّ التَّعْلِيقُ بِخَلْطِ الْحُرُوفِ وَضَمِّهَا، وَالْمَشْقُ بِبَعْثَرَتِهَا وَإِيضَاحِهَا بِدُونِ الْقَانُونِ الْمَأْلُوفِ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْكُتَّابِ: مَفْسَدَةٌ لِخَطِّ الْمُبْتَدِي، وَدَالٌّ عَلَى تَهَاوُنِ الْمُنْتَهِي بِمَا يَكْتُبُ. غَيْرَ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ الْمَشْقَ وَالتَّعْلِيقَ وَإِغْفَالَ الشَّكْلِ وَالنَّقْطِ فِي الْمُكَاتَبَاتِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " أَدَبِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ": وَهُوَ مُسْتَحْسَنٌ فِيهَا، فَإِنَّهُمْ لِفَرْطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>