للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ الْمَحْكِيَّ عَنْهُ الْمَنْعُ، قَالَ فِي الرَّجُلِ يُلَقَّنُ حَدِيثَهُ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ يَعْرِفُ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ، وَكَانَ قَدْ عَمِيَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعٍ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ بِمَا لَمْ يَحْفَظْهُ عَنْ شَيْخِهِ يَقُولُ: فِي كِتَابِنَا، أَوْ فِي كِتَابِي، وَكَذَا ذَكَرَ فُلَانٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا يَقُولُ: ثَنَا، وَلَا سَمِعْتُ. إِلَّا فِيمَا حَفِظَهُ مَنْ فِي الْمُحَدِّثِ، وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا ثَالِثًا.

وَالْمَذْهَبَانِ الْأَوَّلَانِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي (الشَّهَادَاتِ) وَقَالَ: إِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْقَبُولِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: (وَالْخَلَفُ فِي الضَّرِيرِ: أَقْوَى وَأَوْلَى مِنْهُ فِي الْبَصِيرِ) الْأُمِّيِّ، يَعْنِي: لِخِفَّةِ الْمَحْذُورِ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَصْلِ خَاصَّةً، لَا مَعَ انْضِمَامِ أَمْرٍ آخَرَ، وَإِلَّا فَقَدَ يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَشْخَاصِ وَالْأَوْصَافِ، وَلِذَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: قَدْ تُمْنَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ مِنْ جِهَةِ تَقْصِيرِ الْبَصِيرِ، فَيَكُونُ الْأَعْمَى أَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ أَتَى بِاسْتِطَاعَتِهِ.

وَقَالَ شَيْخُنَا: إِذَا كَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا كُتِبَ لَهُمَا فَهُمَا سَوَاءٌ، إِذِ الْوَاقِفُ عَلَى كِتَابِهِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ السَّلَامَةُ مِنَ التَّغْيِيرِ أَوْ عَكْسِهَا. عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَدْ خَصَّ الْخِلَافَ فِي الضَّرِيرِ بِمَا سَمِعَهُ بَعْدَ الْعَمَى، فَأَمَّا مَا سَمِعَهُ قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ بِلَا خِلَافٍ، يَعْنِي بِشَرْطِهِ، وَفِي نَفْيِ الْخِلَافِ تَوَقُّفٌ.

إِذَا عُلِمَ هَذَا، فَتَعْلِيلُ ابْنِ الصَّلَاحِ اخْتِيَارَهُ عَدَمَ التَّصْحِيحِ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ بِكَوْنِ السَّنَدِ لَا يَخْلُو غَالِبًا عَلَى مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا فِي كِتَابِهِ ; لَا يَخْدِشُ فِي كَوْنِ الْمُعْتَمَدِ هُنَا اعْتِمَادَ غَيْرِ الْحَافِظِ الْكِتَابَ الْمُتْقِنِ، فَإِنَّ تَحْدِيثَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ كُتُبِهِمْ مُصَاحَبٌ غَالِبًا بِالضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ الْخَلَلُ، حَتَّى إِنَّ الْحَاكِمَ أَدْرَجَ فِي الْمَجْرُوحِينَ مَنْ تَسَاهَلَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ نُسَخٍ مُشْتَرَاةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ، لِتَوَهُّمِهِمُ الصِّدْقَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْهَا، بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>